أكدت النيابة العامة، بصورة قاطعة، عدم صحة الأسباب التى بنى عليها القرار الصادر من جانب السلطات السويسرية، فى شهر أغسطس الماضى، بغلق التعاون القضائى مع مصر فيما يتعلق بالأصول والموجودات والأموال المهربة داخل سويسرا بمعرفة رموز نظام الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
وأوضحت النيابة، أن الأسباب التى ساقها الجانب السويسرى تستهدف فى حقيقتها التنصل من تطبيق نص قانونى جديد أقرته سويسرا على نحو كان من شأنه أن يتيح لمصر استرداد أموالها المهربة المتحصلة من جرائم فساد.
وأشارت النيابة العامة، إلى أن الجانب السويسرى كان قد ذكر فى اجتماعه مع المستشار نبيل أحمد صادق، النائب العام، ورئيس اللجنة القومية لاسترداد الأموال فى الخارج، أنه تم الاستناد فى غلق التعاون القضائى إلى سببين رئيسيين، أولهما: عدم إرسال وزارة العدل السويسرية لـ"بعض طلبات المساعدة القضائية المصرية" إلى النيابة العامة السويسرية لتنفيذها على سند عدم توافر المقتضيات اللازمة قانونا للتنفيذ فى ضوء أحكام الاتفاقية الثنائية والتشريعات السويسرية بعدم وجود ما يفيد تورط الأشخاص محل تلك الطلبات فى ارتكاب الوقائع محل التحقيقات الجنائية المصرية، وعدم تحديد الرابط بين الجرائم محل التحقيق فى مصر بسويسرا.
وأضافت النيابة، أن السبب الثانى جاء به "أن وزارة العدل السويسرية أرسلت طلبات المساعدة القضائية المصرية الأخرى والخاصة بكل من سوزان ثابت، وعلاء مبارك، وهايدى راسخ، وجمال مبارك، وأحمد عز، وخديجة أحمد كامل ياسين، وعلاء محمد فوزى على سلامة، وشاهيناز عبدالعزيز عبدالوهاب النجار، وأحمد أحمد عز، وزهير محمد وحيد جرانه، إلى النيابة العامة السويسرية لتنفيذها، غير أن العناصر اللازمة لتنفيذ تلك الطلبات، لم تتحقق خاصة بعد صدور أحكام نهائية بالبراءة ولتقادم بعض الدعاوى.
وأشارت النيابة العامة، إلى أن تلك الأسباب غير صحيحة على وجه الإطلاق، خاصة وأنه لا تزال هناك تحقيقات جارية حتى الآن بصدد الأشخاص محل طلبات المساعدة القضائية المرسلة من مصر إلى الجانب السويسرى، إلى جانب عدم وجود تصالح مع الأسماء المذكورة سلفا، حيث أن أعمال التصالح التى تمت قد وقعت مع أشخاص بخلاف الواردة أسماؤهم، وأخطرت السلطات السويسرية بهذه التصالحات حال إبرامها، وليس من بينهم الأسماء التى اشتمل عليها قرار النيابة العامة السويسرية بغلق التعاون القضائى، بالإضافة إلى عدم انقضاء الدعاوى الجنائية بحق المتهمين أو سقوط العقوبة المقضى بها عليهم.
ولفتت النيابة العامة، إلى صدور أحكام قضائية بالإدانة ضد بعض المتهمين ممن وردت أسماؤهم بقرار النيابة العامة السويسرية أو ممن كانوا محلا لطلبات مساعدة قضائية، سبق إرسالها إلى السلطات السويسرية من قبل السلطات المصرية، ومن بينها الحكم الصادر بالإدانة بحق الرئيس الأسبق حسنى مبارك ونجليه علاء وجمال فى القضية المعروفة إعلاميا بـ"الاستيلاء على أموال القصور الرئاسية".
وذكرت النيابة، أن محكمة الجنايات كانت قد أصدرت فى جلسة 9 مايو 2015 حكما حضوريا بحق مبارك ونجليه بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات وتغريمهم متضامنين فيما بينهم 125 مليونا و779 ألف جنيه، وإلزامهم متضامنين بأداء مبلغ قدره 21 مليونا و197 ألف جنيه، وقد طعن المتهمون على الحكم أمام محكمة النقض التى قضت فى 9 يناير 2016 برفض الطعن موضوعا.
كما ذكرت النيابة العامة، أنه يضاف إلى ذلك حكم الإدانة الصادر ضد محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق، حيث قضت محكمة النقض بجلسة 21 ديسمبر 2016 بتأييد حكم محكمة الجنايات الصادر ضده بجلسة 21 سبتمبر 2015، وإلزامه برد مبلغ 194 مليونا و140 ألف جنيه، ورد مبلغ 54 مليون جنيه، ورد مبلغ 6 ملايين و934 ألف جنيه، وتغريمه مبالغ مساوية للمبالغ المقضى بردها.
وأشارت النيابة العامة، إلى صدور حكم بالإدانة ضد رجل الأعمال محمد مجدى راسخ، حيث قضت محكمة الجنايات غيابيا بجلسة 29 مارس 2012 بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة 5 سنوات، ورد مبلغ 970 مليونا و700 ألف جنيه، و81 مليون جنيه، و13 مليونا و869 ألف جنيه مع تغريمه مبالغ مساوية.. ولم يقم المتهم باتخاذ إجراءات إعادة المحاكمة فى هذا الحكم سواء بنفسه أو عن طريق محام عنه، اكتفاء منه بهروبه من الملاحقة القضائية.
وأضافت النيابة، أنه صدر أيضا حكم بالإدانة بحق حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، حيث قضت محكمة الجنايات حضوريا بجلسة 15 أبريل الماضى بمعاقبته بالسجن المشدد لمدة 7 سنوات، وإلزامه برد مبلغ 196 مليون جنيه وتغريمه مبلغا مساويا.
وأكدت أنه فى ضوء ما تقدم، فإنه يتضح أن الجانب السويسرى يحاول التنصل من تطبيق القانون السويسرى الجديد على الحالة المصرية تحت زعم فشل المساعدة القضائية، حيث يتضمن النص القانونى "أنه يجوز للمجلس الفيدرالى بالإضافة إلى ما تقدم أن يأمر بتجميد الأموال بهدف مصادرتها إذا كان قد سبق تجميدها بناء على طلب مساعدة قضائية فى حالة ما إذا أضحى هذا الطلب غير متصور قبوله لعدم احترام الإجراءات الجنائية بالدولة الطالبة للاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية لسنة 1950 والعهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966".
وأوضحت النيابة، أنه فى مثل هذه الحالة، كان ينبغى بمقتضى القانون السويسرى أن تقوم الحكومة السويسرية بإصدار قرار إدارى بالتحفظ على الأموال فى ضوء نص المادة 14 من القانون تمهيدا لمصادرتها إداريا وإعادتها إلى الدولة المعنية، ووفقا لنص المادة 15 من ذات القانون، فإنه يفترض عدم مشروعية مصدر هذه الأموال فى حالاتين، الأولى: إذا كانت أموال الشخص المعنى محل زيادة كبيرة بالمقارنة مع دخل وظيفته العامة، والثانية: حالة ارتفاع درجة الفساد فى الدولة المعنية.. وفى الحالتين ينتقل عبء الإثبات إلى مالك المال ليقوم بإثبات مشروعية مصدر أمواله متى توافرت أدلة على فساده.
وذكرت النيابة أن استحداث هذه المادة فى القانون الجديد كان يتمثل فى عدم السماح للأشخاص الفاسدين من استرداد أموالهم، لمجرد إخفاق الدولة المعنية فى تحقيق شروط التعاون القضائى فى المجال الجنائي، خاصة وأن فى ذلك تأثير على سمعة سويسرا الدولية.
وأشارت النيابة العامة إلى أن السبب الحقيقى وراء غلق الجانب السويسرى للتعاون القضائى، هو حكم المحكمة الفيدرالية الجنائية الصادر فى 12 ديسمبر 2012 ، والذى كان قد علق الإنابات القضائية المصرية، وإن كان لم يتم ذكره صراحة فى أسباب غلق التعاون القضائى.
وأوضحت النيابة، أن هذا الحكم الصادر فى ديسمبر 2012 (إبان فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية فى مصر)، كان قد استند إلى عدم وجود استقرار مؤسسى بسبب قرارات رئيس الجمهورية فى ذلك الوقت بعزل النائب العام، وعدم احترام الأحكام القضائية، وتحصين قراراته من الطعن عليها أمام القضاء، الأمر الذى ارتأت معه المحكمة أن هناك توغلا من السلطة التنفيذية (وقتئذ) على السلطة القضائية، وهو ما يترتب عليه عدم الاعتداد بالتعهدات المقدمة من السلطة المصرية.
وأوضحت النيابة، أن هذا الحكم افترض استمرار وضع قانونى معين فى مصر يتصل بملف استرداد الأموال المصرية، وهو وضع أتى مخالفا للواقع، حيث استقرت حاليا مؤسسات الدولة المصرية بوجود رئيس منتخب، وتشكيل برلمان منتخب، بالإضافة إلى الاستقرار المؤسسى للدولة، وذلك على خلاف الوضع السابق خلال فترة حكم جماعة الإخوان، والذى اتسم بعدم الاستقرار المؤسسى وعدم احترام القانون وحصار المحكمة الدستورية العليا وعزل النائب العام من منصبه.
وأكدت النيابة العامة، أن تمسك مصر بتطبيق القانون ليس اعترافا منها بعدم احترامها لحقوق الإنسان، إذ أن الوضع الحالى لملف استرداد الأموال هو وضع قانونى وليس فعليا بصدور حكم المحكمة الجنائية الفيدرالية، والذى أصبح نهائيا وباتا لفوات مواعيد الطعن عليه من قبل النيابة السويسرية، والذى استند فى أسبابه إلى الأوضاع التى مرت بالبلاد عام 2012، ومن ثم لم تنفذ سويسرا طلبات المساعدة القضائية المصرية ولم تمكن مصر من الاطلاع على تحقيقاتها الداخلية، الأمر الذى فرض على مصر وضعا قانونيا وليس فعليا فى مطالبتها بتطبيق القانون.
كما أكدت النيابة العامة، أن طلبات المساعدة القضائية، التى كان الجانب السويسرى قد أرسلها إلى مصر بهدف إمداده بمعلومات تفيده فى تحقيقاته الداخلية الخاصة بغسل الأموال والجماعة الإجرامية المنظمة، جاءت مفرغة من أية معلومات تفيد الجانب المصري، وذلك على الرغم من أن الجانب المصرى أمد نظيره السويسرى بكافة المعلومات التى طلبها، وفى المقابل أحجمت السلطات السويسرية عن تنفيذ طلبات المساعدة القضائية المصرية المرسلة لها رغم تعهدها فى العديد من اللقاءات الثنائية بالتنفيذ.
وأشارت النيابة العامة، إلى أنه فى 16 ديسمبر 2016 حضر النائب العام السويسرى، واجتمع مع المستشار نبيل أحمد صادق النائب العام، وأفاد الجانب السويسرى، بأنه أرفق بالتحقيق الداخلى الخاص فى شأن جريمة غسل الأموال لكل من علاء وجمال مبارك تقريرا ماليا يفيد بعدم وجود صلة بين الجرائم المرتكبة فى مصر والأموال فى سويسرا، وأنه سيخطر محامى الجانب المصرى فى سويسرا للإطلاع على التقرير لإبداء ملاحظات النيابة العامة عليه، إلا أن النيابة العامة لم يتم إخطارها حتى الآن بالإطلاع على التقرير رغم طلبها من الجانب السويسرى ذلك باعتباره التزامًا وفقا للقانون السويسرى بالسماح للجانب المصرى بالإطلاع قبل حفظ التحقيقات، وإلا أصبح قرار الحفظ مشوبا بالبطلان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة