منذ ما يقرب من عامين كنت فى زيارة عمل لأحد تشكيلاتنا التعبوية الباسلة التى تضطلع بدور بطولى فى مكافحة مناطق النشاط الإرهابى بشمال سيناء، فحكى لى السيد قائد التشكيل حكاية رائعة تستحق أن تروى لنستمد منها الطاقة الإيجابية الخلاقة التى تجعلنا دائمًا فى أعلى درجات ثباتنا النفسى والانفعالى مهما مر بنا من أزمات وصعاب، فأثناء زيارته لمنزل أسرة أحد الشهداء من جنودنا الأبطال لتقديم واجب العزاء طلبت منه أم الشهيد العظيمة أن يقدم لها التهنئة وليس العزاء لأنها تعتبر، كما جاء على لسانها، أن أم الشهيد تستحق أن يتم تهنئتها وليس مواساتها، وفى نهاية اليوم وهو يصافحها مغادرًا سألها عما إذا كان لها أى مطلب لكى يلبيه لها، فقالت له، إن أخو الشهيد ما زال يتبقى له عام لكى يبلغ سن التجنيد، ورجته أن يصطحبه معه، وأن يعجلوا له بسن التجنيد لكى يحل محل أخيه فى نفس المكان الذى خلا باستشهاده.
يا الله.. ما كل هذا الصبر! وما كل هذا الجلد المتمثل فى واحدة من أمهات مصر العظيمات الصابرات المحتسبات اللاتى يقدمن كل يوم القدوة والمثل على المخزون الحضارى الذى يقبع فى عمق الشخصية المصرية! إن أجمل ما نتعلمه من هذا الدرس العبقرى أن كل كلاب الإرهاب زائلون لا محالة، وستبقى مصر العظيمة الشامخة المنتصرة على كل أعدائها ولو كره الكارهون.