لاشك أن زيارة مسلمى الروهينجا فرصة عظيمة لأى صحفى ليستطيع أن يسلط الضوء وبيان حقيقة الأمور التى تجرى لهؤلاء الناس، الذين وصفوا بأنهم "الأتعس فى العالم"، كما عرف عنهم أنهم أكثر الأقليات اضطهادا فى العالم، الرحلة إلى "كوكس بازار" وهى مدينة فى بنجلاديش تقع فى خليج البنغال جنوب شيتاغونغ بنحو 1200كم، وتعتبر مدينة ساحلية ذات أهمية سياحية، تمتلك شاطئًا يمتد لمسافة أكثر 1200 كيلو مترًا، يعتبر الأطول فى العالم.
الرحلة طويلة ومرهقة فـ "كوكس بزار" التى تقع على الحدود مع دولة ميانمار، حيث كانت مركزا لفرار مئات الآلف من الروهينجا، هربا من التطهير العرقى الذين يتعرضون له على أيدى القوات البورمية والمليشيات البوذية.
الرحلة إلى حيث الروهينجا بدأت باستقلال الطائرة من مطار القاهرة حتى مطار أبو ظبى الدولى، واستغرقت نحو 4 ساعات، ثم طائرة ثانية إلى دكا العاصمة البنغالية، واستمرت نحو 7 ساعات، ثم طائرة داخلية من دكا حتى كوكس بزار استغرقت نحو الساعة، ومن المطار وصولا إلى مخيمات اللاجئين الروهينجا بالسيارة نحو ساعة ونصف، الوضع داخل تلك المعسكرات مأساوى ويحتاج إلى تضافر جميع دول العالم من أجل الوصول لحل عادل لتلك القضية وتوفير الحماية لهؤلاء المستضعفين.
أثناء استقلالى للسيارة حيث الوجهة إلى مخيمات الروهينجا والوصول إلى أقرب نقطة من الحدود مع ميانمار، إذا تبدأ المخيمات على جانبى الطريق وهى عبارة عن "عشش" من البلاستيك والخشب والصاج!، حيث تعد تلك أقصى مواد يمكن استخدامها فى إقامة مأوى لهؤلاء، وذلك لمنع سلطات بنجلاديش من استخدام أى مواد بناء حديثة خشية أن يتخذ الروهينجا تلك المدينة موطنًا لهم مع مرور الأيام ،وسط تلك الأوضاع المأسوية كان لابد من معرفة كيف يعيش الفرد فى تلك المخيمات والتى تنتشر فيها الأمراض نظرا لعدم وجود دورات مياه أو توافر الرعاية الصحية اللازمة، تتنشر "العشش" على سفوح المرتفعات ولا تتخطى مساحتها المترين يقطنها فى بعض الأحيان 13 فرداً!، والجهل والمرض والفقر جميعهم متوفرون لدى الروهينجا، بينما نزح بعض البنغال إلى مواقع المعسكرات من أجل التجارة وبيع المنتجات لهم، كما تتوافد المساعدات عليهم لكنها لا تكفى حيث تحدثت بعض التقارير أن العدد تخطى حاجز المليون .
حملات التهجير مازالت مستمرة والنزوح إلى بنجلاديش حيث يبحث الروهينجا عن الآمان دون النظر إلى أى أمور أخرى تتعلق بالعيش، وفى مشهد مأسوى يقف الآلاف من الروهينجا على الحدود محاولين الهروب من الجيش البورمى الذى يقف خلفهم، محاولين أيضا تخطى الجيش البرومى الذى يقف فى المواجهة ليمنع مزيدا من اللاجئين، ويعتبر الروهينجى نجاحه فى الوصول إلى معسكرات الروهينجا هو "قبلة الحياة !" .
تشهد المعسكرات أوضاع صحية صعبة للغاية حيث تقوم كل مجموعة بحفر حفرة كبيرة تكون "لقضاء حاجتهم"، بالإضافة إلى اعتمادهم على المياة الجوفية عن طريق "التروبات" والتى عادة ما تكون مختلطة وغير نقية، كما يعتمدون عليها للاستحمام، وذلك وسط انتشار الزواحف والبعوض، بالإضافة إلى الظروف المناخية الصعبة وتقلبات الطقس .
يقف الآلاف يوميا طوابير انتظاراً للمساعدات التى تقدم لهم من جهات عدة ، للحصول على بعض السكر والبكسويت والأرز، وهنا يقوم الجيش البنغالى بتنظيمهم ويستخدم أحيانا القوة معهم وذلك للسيطرة عليهم بعد حدوث حالة من الفوضى أثناء محاولاتهم للحصول على المساعدات قبل نفاذ الكمية، وعادة لا يوفق الكثيرين للحصول عليها نظرا للعدد الكبير للروهينجا وعدم كفاية المساعدات المقدمة .
يشكل الأطفال والنساء حوالى 80% من إجمالى الروهينجا، حيث قتل العديد من الرجال منذ اندلاع الأحداث، بينما تعرضت الكثير من النساء إلى الاغتصاب على أيدى الميليشيات البوذية، ووسط تلك المآسى إلا أن هناك نماذج مضيئة وأمل فى إقامة بعض المتعلمين من الروهينجا مساجد بكل مخيم وجمع الأطفال وتحفيظهم القرآن الكريم ، وتعليمهم القراءة و الكتابة .
الوضع الصعب الذى يعيشه الروهينجا يزداد سوءً يوما بعد يوم، وبنجلاديش دولة فقيرة لن تستطيع أن تتحمل وحدها مسئولية نحو مليون روهينجى، بالإضافة إلى خشيتها مع مرور الزمن أن يظن الروهينجا أن المكان الذين يستوطنون به الآن هو ملكاً لهم، كما أن بنجلاديش لا تريد أن يستمر الوضع هكذا وأن تستقبل الروهينجا على أراضيها، خاصة وأن هناك عدد من الدول الإسلامية المجاروة رفضت استقبال الروهينجا !.
التحذيرات مستمرة للأطفال بالمخيمات من الذهاب بعيدا حتى لا يتخطفهم تجار الأعضاء، حيث انتشر الأمر باختفاء شبه يومى لعدد من الأطفال، يقال أن تجار الأعضاء يستغلون الظروف الصعبة التى يمرون بها ويقومون بالحصول على أعضاء الصغار والتجارة فيها .
وتشهد مخيمات اللاجئين بين الحين والآخر قوافل إغاثية وطبية ترسلها بعض الدول العربية و المؤسسات، حيث قام الأزهر الشريف خلال الأيام الماضية بتوزيع 100 طن مواد غذائية وبطاطين على الروهينجا، بينما تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بمجهود كبير من خلال الهلال الأحمر الإماراتى و مجلس حكماء المسلمين ، وفتح باب التطوع للأطباء الراغبين فى المشاركة بمعالجة اللاجئين الروهينجا.
وعن بداية الأزمة حيق قدم الروهينجا من ولاية "راخين"، أو كما كان يُطلق عليها قديمًا "أراكان"؛ حيث يعيش مسلمو "الروهينجا"، الذين وصفتهم المتحدثة باسم الأمم المتحدة عام 2009 بأنهم "أكثرُ شعبٍ بلا أصدقاءَ في العالَم"؛ ومن معاناتهم أنهم لايمكلون بطاقات هوية حيث ترفض حكومة ميانمار منحهم بطاقات هوية، وبالتالى فهم محرمون من كافة حقوقهم، بالإضافة إلى الحديث عن أن أصولهم ليست بورمية وأنهم من بنجلاديش، وهو ما رفضه الجانب البنغالى ليظلون عالقين بلا هوية ، لكنهم متمسكين بانتمائهم لبورما .
بلغت الجرائم المرتكبة ضد الروهينجا ذروتها عام 2012م بعد اغتصاب وقتْل امرأةٍ بوذيّة هناك وإلصاق التُّهَمَة ببعض المسلمين؛ ممّا أدّى إلى أعمالِ العنف حينئذٍ التي أَودت بحياة أكثر من 200 شخصٍ وتشريد 140 ألفًا، والكثيرون منهم يعيشون منذ ذلك الوقت فى مُخيّماتٍ بدون رعايةٍ صحيّةٍ أو تعليمٍ، وبالكاد يَصِلُهم الغذاء.
وامتدت الانتهاكات طَوالَ السنين التي تلت 2012، لتشهدَ مُنعطَفًا جديدًا عام 2017، مع قيام القوات البورمية بحملاتِ دَهْمٍ واسعةٍ على تجمعات "الروهينجا"؛ أَدّتْ إلى موجةِ فرارِ مدنيّين واسعةٍ من قُراهم، قَدّرتْها "المفوضية السامية لشئون اللاجئين" في الأمم المتحدة فى أوائل سبتمبر بأكثرَ من 35 ألفًا من النازحين الجُدُد خلال 24 ساعةً فقط؛ أي: قرابة 1458 مسلمًا فَرّوا من البلاد كلَّ ساعةٍ، وعلى الرغم من التنديدات الدولية، إلّا أنّ الأوضاع تزداد سوءًا دونَ وجودِ أيِّ بوادرِ أملٍ لانفراجها؛ إنصافًا لهذه الفئة المُضطهَدة من المسلمين.
يحرص الروهينجا على الإعلان عن موطنهم بورما، متحدثين عن تاريخهم فمنذ القرن السابع وحتى 1784م في القرن السابع الميلادي دخل الإسلام إلى بورما عن طريق ولاية "أراكان" في عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد، عن طريق التجار والرحَّالة العرب حتى أصبحت دولة مستقلة حكمها 48 ملكًا مسلمًا على التوالى، وذلك لأكثر من 350 عامًا بدءًا من 1430م وحتى 1784 م، وانتشر الإسلام في كافة بقاع بورما، ويوجد بها العديد من الآثار الإسلامية، ومن المساجد والمدارس مسجد "بدر المقام" في أراكان وهو مشهور، وأيضا مسجد "سندي خان" الذي بُني في عام 1430 م وغيرها.
في عام 1784 م احتل "أراكان" الملك البوذي البورمي "بوداباي"، وضم الإقليم إلى بورما؛ خوفًا من انتشار الإسلام في المنطقة، فأخذ يتعسف فى معاملة المسلمين؛ وامتلأت السجون بهم وقتل من قتل، ورحل الكثيرون، ودمر "بوداباي" كثيرًا من الآثار الإسلامية منَ المساجد والمدارس، وقتل الكثير من العلماء والدعاة، واستمر البوذيون البورميون في اضطهاد المسلمين ونهب خيراتهم وتشجيع البوذيين "الماغ" على ذلك خلال فترة احتلالهم التي استمرت 40 سنة انتهت بمجيء الاستعمار البريطانى.
في العام 1942 م تعرض المسلمون لمذبحة وحشية كبرى من قبل البوذيين "الماغ" بعد حصولهم على الأسلحة والإمداد من قبل البوذيين "البورمان" والمستعمرين البريطانيين وغيرهم، راح ضحيتها أكثر من "100 ألف مسلم" أغلبهم من النساء والشيوخ والأطفال، وشردت الهجمة الشرسة مئات الآلاف من المسلمين خارج الوطن، ورجحت بذلك كفة البوذيين "الماغ"، وكانت سطوتهم مقدمة لما تلا ذلك من أحداث
و في يوليو1945 ، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء أعادت بريطانيا ضم بورما كمستعمرة، ثم نالت بورما استقلالها سنة 1948 م، وانفصلت عن الاستعمار البريطاني.
ازداد الأمر سوءًا بالانقلاب الذي قاده الجنرال" نيوين" والذي أعلن بورما دولة "اشتراكية" وذكر علنًا أن الإسلام هو العدو الأول، وترتب على ذلك حملة ظالمة على المسلمين وتأميم ممتلكاتهم وعقاراتهم بنسبة 90% في أراكان وحدها، بينما لم يؤمم للبوذيين سوى 10%، وسحبت العملة النقدية من التدوال، مما أضر بالتجار المسلمين كثيرًا حيث لم يعوضوا من قبل الدولة، ثم فرضت الثقافة البوذية والزواج من البوذيات، ومنع ارتداء الحجاب للبنات المسلمات، والتسمي بأسماء بوذية، وأمام هذا الاضطهاد والتنكيل اضطر الكثيرون للهجرة القسرية من ديارهم وأملاكهم إلى دول العالم الإسلامي، وبخاصة بنجلاديش بعد حملات عسكرية إجرامية على أراضيهم وأماكنهم، حتى الآن.
في 2015م تزايدت الهجرة الجماعية البحرية لمسلمي الروهينجا على نحو كبير، حيث رحلت عائلات الروهينجا من بورما وبنجلاديش في قوارب تهريب، يصطحبهم أحيانًا أعداد كبيرة من العمال البنغاليين المهاجرين، وتقدر الأمم المتحدة عدد الذين خاضوا الرحلة بنحو 94000 شخص بين يناير 2014 ومايو 2015 م. وفي مايو 2015، ترك المهربون نحو 5000 شخص على متن القوارب في عرض البحر، بعد أن منعوا من دخول تايلاند وماليزيا وإندونيسيا، ومات منهم 70 شخصًا على الأقل في هذه المحنة وبسبب الضغوط الإعلامية، سمحت أخيرًا ماليزيا وإندونيسيا للقوارب بأن ترسو على أراضيها ثم أوقفت الوافدين على الفور.
مسلمو الروهينجا عجز العالم عن إنقاذهم فهم يواجهون حملات إبادة وتطهير عرقي ممنهجة على يد الأغلبية البوذية التي تسكن البلاد، في الوقت الذي يقف فيه العالم عاجزًا عن إنقاذهم، بينما تشارك حكومة البلاد في حملة العنف وتدير ظهرها للانتقادات ودعوات إيقاف "المذبحة"
وتشير المراجع التاريخية إلى أن أصول الروهينجا تعود إلى القبائل العربية التي وفدت إلى آسيا للتجارة في القرن الثامن الميلادي،وللروهينجا لغة خاصة تتبع اللغات الهندوأوروبية، وهي تعتمد أبجدية تعد حديثة نسبيًا، وهى أبجدية معترف بها من قبل "المنظمة الدولية للمعايير".
يبلغ عدد مسلمي الروهينجا نحو 1.33 مليون نسمة، وتصنفهم الأمم المتحدة بأنهم من أكثر مجموعات اللاجئين المعرضين للاضطهاد في العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة