أتفهم بطبيعة الحال دوافع المطالبين بتكفير المنتمين للتنظيمات الإرهابية خاصة داعش وأشقاءها، على اعتبار أن تكفيرهم ينزع عنهم صفة الإسلام، ويجعلهم عراة تماما، خاصة أمام المجتمع الدولى الذى عادة ما يلصق الإرهاب بالإسلام، لكن من وجهة نظرى، فإن الموضوع أعقد وأخطر من فكرة التكفير، التى يمكن أن تزيد الوضع سوءا، بدلا من أن تقدم حلا.
لذلك أستغرب الحملة التى يشنها البعض على الأزهر الشريف، لرفضه تكفير تنظيم داعش الإرهابى وبقية التنظيمات الإرهابية، والتنظيم الأم «الإخوان المسلمين»، فالأزهر موقفه فى هذه القضية، من وجهة نظرى الشخصية، سليم، ولا مبرر للهجوم عليه، بداية لأن الأزهر ليس مهمته التكفير، أو يكفر أحد، لأنه ليس فى قدرة الإنسان أن يكفر الآخر، كما أنه ليس من سلطة الأزهر أن يخرج لتكفير أحد أو يصدر حكم فى ذلك، وإنما يكمن دوره فى توضيح العقوبات التى يجب فرضها على المنتمين لهذه الجماعات الإرهابية، وعلى المجتمع تطبيق هذه العقوبات الشرعية إن أراد، والمجتمع هنا أقصد به الدولة أو الحكومة وليس عموم الناس، حتى لا تحل الفوضى.
نعم كلما تألمنا للحادث الإرهابى البشع داخل مسجد الروضة بشمال سيناء، الذى نتج عنه استشهاد 306 مصريين، وإصابة العشرات، لكن الألم لا يجب أن يدفعنا إلى التفكير خارج المنطق، أو بنفس الطريقة التى يفكر بها الإرهابيون الذين يكفرون الجميع، وعلينا أن نتمعن بهدوء فى رد الأزهر الشريف على المطالبين بتكفير الإرهابيين، آخذا فى الاعتبار أن موقف الأزهر من هذه القضية قديم وليس وليد اليوم، وإلا كان الأزهر قد أفتى بكفر الإرهابيين فى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، لكن الأزهر لم يفعلها ولن يفعلها، لأن مسألة التكفير، كما قال الشيخ عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف، هى مسألة علمية امتنع عنها الأزهر، لأنها تفتح أبوابًا لا يمكن إغلاقها، ويمكن أن نتحدث عن حادث ونقول إن من قاموا بهذا الحادث ليسوا من المسلمين، ونحكم على هؤلاء نتيجة فعلهم، ولا يمكن أن يقوم مسلم بقتل مسلم يصلى فى مسجد، لكن لا يمكن أن تحكم أحكامًا عامة على جماعات لا تعرفها ولا تعرف مكوناتها، ومن يقوم بعمليات فيها، مشيراً إلى أن ما حدث لا يقوم به مسلم ولا يهودى، وهؤلاء سقطوا كثيرًا عن مدارك الإنسان والحيوان، ولا يوصفون بأى وصف إلا أنهم كلاب مسعورة.
إذن القضية أعمق من مجرد إصدار فتوى بالتكفير، وهى فتوى إن صدرت سيكون لها تداعيات كثيرة لا أعتقد أننا كمسلمين قادرون على تحمل تبعاتها، خاصة لو استخدم البعض هذه الفتوى حال صدورها فى غير محلها، كأن يستند لها بعض المتشددين فى قتال من يعتبرهم إرهابيين أو مختلفين معه فى الرأى، معتمدا على أن هذه الفتوى صك أو مفتاح الدخول للجنة حال تنفيذها.
ما أستطيع قوله أن الأزهر عليه دور أكبر من تكفير الدواعش، وهو التفكير وليس التكفير، التفكير من خلال توضيح العقيدة الفاسدة للإرهابيين، التى غالبا يستندون لها فى تنفيذ عملياتهم الإرهابية، فالثابت لدينا ومن خلال تجارب سابقة واعترافات لشباب تورطوا فى الانضمام لهذه الجماعات، أن عقولهم تم حشوها بأفكار متطرفة تسوِّغ لهم القتل والتدمير والتخريب والتفجير والقتل، مستغلين فى ذلك ضعف عقيدة هؤلاء الشباب أو ضعف قدرتهم على التمييز بين الخير والشر، وتصوير المجتمع أمامهم على أنه مجتمع كافر يجب قتاله، والقضاء عليه كشرط أساسى لإقامة الدولة الإسلامية، هذه العقيدة الفاسدة لن يجدى معها التكفير، بل ربما تكون سببا فى زيادة العناد لدى هؤلاء الذين يحتاجون إلى المراجعة الفكرية وليس تكفيرهم، وهو ما يدفعنى للاعتقاد بأن محاربة الإرهاب لا تتم بتكفير الإرهابيين، وإنما تتم أساسا بالمواجهة المسلحة، فضلا عن المواجهة الفكرية، أو بمعنى أدق وأوضح محاربة التطرّف الدينى بكل ألوانه وأشكاله وأنواعه ومصادره، لأنه هو الذى خلق لنا هذه العقول المليئة بالأفكار الفاسدة التى تتعارض مع صحيح الدين.
علينا أن نشجع الأزهر وعلماءه أن يكونوا أداة للتنوير، لا أن نطلب منهم تكفير أحد، حتى وإن ثبت لنا باليقين أنه إرهابى قاتل، علينا أن نشجع الأزهر ليس فقط بتجديد أو تصحيح الخطاب الدينى، وإنما بحركة تنوير شاملة لمجتمعنا يكون للأزهر دور القيادة فيها، اعتمادا على ما يملكه من قدرات علمية تمكنه من قيادة المجتمع لمواجهة كل الأفكار المتطرفة، التى يروج لها الإرهابيون ليس فى مصر فقط، وإنما فى دول العالم، فهذا هو الدور الذى ننتظره من شيخ الأزهر فضيلة الدكتور أحمد الطيب، الذى أدرك أنه شخصيا لديه تحمس ورغبة للقيام بهذا الدور، لكن يبدو أن هناك أمورا كانت سببا فى تأخر الأزهر للقيام بهذا الدور المنوط به أساسا، لكن لدى يقين أن الشيخ الطيب سيتجاوز كل ذلك قريبا، وسيقود أكبر حركة تصحيح داخل الأزهر تمثل نقطة الانطلاق الأساسية التى ننتظرها من الأزهر لقيادة أكبر حركة تنوير فى العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة