مع كل عملية إرهابية نكتشف أن الإرهاب جزء من تركيبة معقدة لها علاقات بالداخل والخارج، وليس مجرد شباب اعتنق الفكر التكفيرى، لكنهم يمثلون واجهة لتبرير عمليات إرهابية إجرامية يقوم بها مرتزقة، ومافيا إقليمية ودولية، وتشير ردود الأفعال إلى جهات تمثل ظهيرا دعائيا للإرهاب، مباشرة أو بشكل غير مباشر.
مباشرة، هناك قنوات فضائية ومواقع تسارع بنشر العمليات الإرهابية وتبالغ فى مساندة التنظيمات الإرهابية ويطلقون الأسماء والمصطلحات التفخيمية التى لا تتناسب مع جرذان يقتلون مدنيين، قنوات تركيا وقطر تقدم الإرهاب كجزء من رسالة التنظيمات، وفى الخلفية هناك مطبوعات وصحف ومواقع تساهم فى تقديم التفسيرات والتحليلات، وتصب لصالح الإرهاب، ومنها إطلاق لقب متمردين أو مسلحين على إرهابيين قتلوا المصلين أو يقتلون رواد المساجد والكنائس، وآخرها هجمات الإرهاب على مسجد الروضة بالعريش وقتل أكثر من 300 مواطن فى صلاة الجمعة، وهم نفس الإرهابيون الذين يقتلون المصلين فى الكنائس.
ويبدو صحيحا أن هناك من بين الإرهابيين عناصر داخلية، وأخرى خارجية، ولا يمكن لعنصر أجنبى أن يقوم بهذه العمليات من دون ظهير محلى، لكن التخطيط والتمويل بهذه الكثافة يكشف عن شبكات إقليمية ودولية، منها بالطبع دول معادية، وأيضا منظمات التهريب والسلاح والمخدرات وغسيل الأموال.
وعليه لا يبدو غريبا أن يساند محللون ونشطاء فى الخارج الإرهاب ويهاجمون الدولة المصرية والضحايا، مثلما فعلت «معلّقة» فى «نيويورك تايمز» تعمدت إطلاق اسم متمردين على الإرهابيين قتلة الأطفال فى الروضة، أو تهاجم «الجارديان»، بقلم نائب رئيس تحريرها، الدولة المصرية وتبدو فى خندق الدفاع عن الإرهاب، ومعروف أن الجارديان التى كانت صحيفة بريطانية عريقة، غارقة طوال السنوات الأخيرة فى إرضاء ملاكها القطريين، فضلا عن أنها تورطت فى نشر تقارير مفبركة لمراسلها بالقاهرة، قبل أن تعترف وتتجاهل الملف، وهى انحيازات أصبح عصر المعلومات يكشفها، ويرى كيف أصبحت بعض المنصات الإعلامية العريقة سابقا ممثلة لمصالح دول وأجهزة ومنظمات متطرفة تمول حملات علاقات عامة.
وعلى الجانب الآخر فإن بعض المحللين أو الكتاب لدينا يتصورون أن مجرد إصدار فتاوى بتكفير داعش من الأزهر الشريف، سوف يدفع داعش إلى ترك سلاحها وإعلان التوبة، وهو تصور يخلو من المنطق. داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية لا يقرأون ولا ينتظرون صدور فتاوى بتكفيرهم من الأزهر، وأى حوار دينى معهم محكوم عليه بالفشل، الإرهابيون من الثمانينيات وما قبلها كانوا يضعون واجهة دينية للقتل، ولم يتوقفوا عنه، ونرى كيف أن كلا منهم يحمل يقينا وآيات بتفسيرات محددة، وهم يتحولون إلى آلات قتل.
وما نتيجة كل الحوارات والمحاورات مع الإرهابيين طوال عقود؟ النتيجة أن أى دخول على أرضية النصوص، تكشف أن الإرهابى يحمل نصوصا تبرر له القتل والتفجير، وهى تفسيرات بتوقيع كبار من يسمون علماء. ويكفى أن نرى كيف تم إرسال عشرات الآلاف من الإرهابيين إلى سوريا والعراق بفتاوى شيوخ ما زالوا يمارسون دورهم، وبعضهم كان يفعل ذلك بأجر، وهم ليسوا من الأزهر، لكنهم كانوا ينطقون باسم أسيادهم ومموليهم، وربما يكون الأجدى بدلا من تكفير الإرهابيين، كشف علاقات هؤلاء المدعين بممولى الإرهاب.
دعاة مدعون يرسلون الشباب للموت وقتل أشقائهم، بينما يقبضون ملايين، ولا ينفع أن نترك كل هذا، ونسعى للضغط على الأزهر لإصدار فتاوى بتكفير المكفرين وقطاع الطرق.
نحن لا نحتاج للمزيد من التكفير بقدر ما نحتاج إلى عقول ومناقشات للمواطن العادى، يطمئن بها على حاضره ومستقبله، التكفير لا يغير عقولا متحجرة، ربما كان التسامح وإعادة تفسير العلاقة مع الدنيا هو السبيل للخروج من دوائر التكفير والتمويل.