صباح السبت الماضى كنا على موعد مع حدث ثقافى وتنموى كبير، كنت قد عرفت عنه من أصدقاء وزملاء تابعوا فعالياته وشاركوا فيه خلال دورتين سابقتين، المنتدى الاقتصادى الثالث الذى ينظمه «مركز دندرة التنموى». ويعقد فى قرية دندرة بمحافظة قنا، وهو نتاج عمل أهلى جاد وليس مجرد مكان لتبادل الأحاديث والخطب، عمل اقتصادى وثقافى يقوم على الحوار وتبادل الأفكار وتنمية الفرد والعمل الجماعى.
نجح منتدى دندرة فى نقل الأفكار المهمة والعملية إلى الصعيد، فى تجربة تكشف عن الدور الحقيقى للمجتمع الأهلى والمدنى، ويقدم أفكارا علمية وعملية، تتعلق بالتدريب والتأهيل وربط النظريات بالتطبيق العملى.
ويتخذ مركز دندرة التنموى شعارا بسيطا معبرا عميقا هو «علم بأخلاق + عمل بإخلاص = تنمية مستدامة». ولهذا يناقش أكثر القضايا حيوية فى عالم الأعمال والاقتصاد فى حضور لافت وكثيف لآلاف المواطنين من الصعيد يستمعون ويناقشون، بشكل يضفى حيوية على المنتدى، ويدعم فكرة أن التنمية ليست عنوانا نظريا، لكنها حوار وأفكار تتداخل فى سياقات تجذب المواطن الذى يجدها تحمل أحلامه وطموحاته، يصدقها ويتفاعل معها.
كنا فى طريقنا يوم الجمعة إلى مطار القاهرة متجهين إلى الأقصر، عندما تلقينا خبر العمل الإرهابى الخسيس ضد أهلنا فى مسجد الروضة ببئر العبد شمال سيناء. خيم الحزن والغضب على الجميع، هبطنا إلى الأقصر ومنها إلى قنا التى تبعد حوالى 65 كيلومترا عن الأقصر، كانت مشاعر الحزن والغضب واضحة على الجميع.
فى صباح السبت بدا المنتدى بدعوة للوقوف حدادا على شهداء الروضة، من الأمير هاشم الدندراوى رئيس الأسرة الدندراوية، ورئيس مجلس إدارة مركز دندرة التنموى الذى ينظم المنتدى، والذى أكد أن «بناء الإنسان وتنمية قدراته ضرورة تكاد تكون ملزمة لإحداث تنمية حقيقية فى المجتمع»، ويرى هاشم أن الفقر يختلف عن الحاجة، وأن تجاوز الفقر يتم من خلال أفكار تنشط قدرات الإنسان، ويقول: «فكرتنا تقوم على دعوة رجال الاقتصاد لمخاطبتنا بلغتنا، وليستفيدوا من التواصل مع قاعدة المجتمع».
هذه تبدو الفكرة التى يقوم عليها المنتدى، تسعى لتحويل الأفكار التنموية من النظرى للعملى، ولهذا كان هناك معرض الشركات البادئة، على هامش المنتدى، وهى مشروعات صغيرة ومتوسطة، يعرض فيها أصحاب الأعمال الشباب أفكارهم ومنتجاتهم على الحضور، وعرض شابان من سنغافورة تجربة إنتاج نسيج من أوراق الموز تحول المخلفات غير المفيدة، إلى قواعد لإنتاج اقتصادى فى المنسوجات والورق.
كان المنتدى الاقتصادى الثالث بعنوان «وقتى.. رأس مالى» بمشاركة شعبية وحضور رسمى وبرلمانى فضلا عن خبراء فى التنمية والاقتصاد وريادة الأعمال من أصحاب الخبرات والتجارب الناجحة.. كل منهم تحدث فى موضوع عملى عن كيفية توفير الوقت، وتوازن الوقت مع الإنتاج والحفاظ على الإنتاجية والجودة، وخلال جلستين رئيسيتين تحول العنوان النظرى إلى مفهوم لافت وجاذب للنظر. لأنه يرتبط بمصالح من يبحثون عن مشروع أو من يريدون تعلم الإدارة.
ذهبت مع بعض الزملاء والأساتذة إلى منتدى دندرة بدعوة من الصديق الدكتور هانى رسلان، رئيس مركز الدراسات الاجتماعية بالأهرام والباحث المعروف فى الدراسات الأفريقية، وهو أحد أبناء دندرة ومنسقى المنتدى، وقد أشار فى كلمته إلى دور مركز «دندرة» فى التواصل بين خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال، والقاعدة الشعبية من المعنيين.
شارك أيضا رئيس جامعة جنوب الوادى الدكتور عباس منصور، الذى اعتبر المنتدى جسرا بين الفكر الأكاديمى والتطبيق العملى، وأعلن استعداده لفتح الجامعة لكل من يقدم تنمية لأبناء الصعيد، وحضر الدكتور محمد أبوالفضل بدران، والدكتور محمود خضارى، نائبا رئيس الجامعة، بينما تحدث الأنبا بيمن أسقف نقادة وقوص وتوابعها، وحضر عبدالعظيم الشيخ، القنصل العام لجمهورية السودان بأسوان، وسفيرة دولة مالاوى لدى مصر التى جاءت لتتعرف على تجربة المنتدى للاستفادة منها فى بلادها، ونائبا البرلمان عن قنا.
ويلفت النظر فى المنتدى، مدى الالتزام بالوقت، حيث لايتجاوز زمن كلمات التقديم والافتتاح 25 دقيقة، والضيوف حوالى 65 دقيقة، وزمن الجلسة لمناقشة الموضوع ساعة، والعروض التقديمية بين عشر دقائق وثلث ساعة وقد التزم كل متحدث بـ7 دقائق، وبعد الجلسة والمناقشات تتناول الموضوع بالرد والتفاعل. وهى قصة أخرى تحتاج لمزيد من الشرح لتجربة مجتمع أهلى ناجحة بعيدا عن القاهرة.