لقد اقترن تاريخ البشرية بصور قاتمة لا تشرف الإنسان ولا الإنسانية، إذ عندما تضخم المجتمع البشرى وكبر، وازدادت رقعة الأراضى المأهولة، واتسعت القبائل وصارت شعوباً، وكبر الشعب فغدا أمة، واتسع ميدان الكسب والرزق، بدأت ظاهرة "الأنانية العمياء" فانشطر الناس فى ظل التفاوت الى سادة وعبيد، مترفين ومحرومين، أصحاء ومرضى، جهلاء وعارفين!.
فالجهل المخيمة ظلماته على البشرية لم تكن لتحده إلا أقباس العلم المتباعدة، المتجاوبة فى الدياجير كالمنارات على الشواطئ تهدى إلى مدى محصور، وتبقى الهاوية فى عرض المحيط على الأغوار المنثغرة حيث الحياة مضغة فى فم القدر .
والفقر الناشر شبحه المخيف لم تكن لتحده إلا قطرات من المبرات المنثورة على غير نظام، كالواحات الوارفة المطوقة بجفاف الصحراء . أما المرض المتفشى فى خلايا الجسم البشرى لا يحد من فتكه إلا الجهود المحدودة الموزعة على هذه المصادفات .
أما الترف والسرف اللذان كانا فى ذلك الوقت يغلفان قلوب وضمائر السادة المنعمين بدروع الانانية والقسوة، فينامون متخمين وقد أصموا أذانهم عن سماع أنين المعذبين فى الأرض، الذين هم فى الأساس صناع رفاههم، ومصدر نعمتهم، وسياج أمنهم وسلامتهم !
فالجهل والفقر والمرض والقسوة و السرف، أدوار الحياة ومآسيها الجلى، ذلك المآسى المتجددة كل يوم حتى الانسان المتربصة فى الأزقة، القابعة فى الأكواخ، الكامنة فى المعامل، حيث تتحدى العلم فى خزائن الأغنياء فقط، والدواء فى خزائن الأطباء أما الجماهير أصحاب الجهل والفقر والمرض، هم المعول عليهم الهدام عن غير قصد، فإذا أردتموهم بنائين فالغذاء للجميع، والعلم للجميع، والدواء للجميع، والعدالة للجميع، وهذه هى "العدالة الاجتماعية"
ويتابع ركب الانسانية مسيرته مسراعا، مخلفا وراءه جماعات لفظتهم الحياة على هامشها أو طحنتهم برحاها، فكانوا بحق ضحايا الانسانية وأيتامها.
فالمقعد والمعتوه والمبتور والعاجز الخ .. فكلهم داستهم دواليب المجتمع، جميع الذين جرفتهم الحياة فوقفوا على الشفير، يحاولون التمسك والعاوية فاغرة شدقيها!
أولئك أيتام الحياة، إذا تركتهم على هامشها فسينقلبون عليها، وهم قد انقلبوا على الحياة منذ أن كانوا، ومنذ أن كانت ذاتها، من صفوفهم القاتل والسارق وقاطع الطريق، وتاجر الأعراض، وسمسار اللذات، وضارب الفوضى .
أولئك آلام الانسانية وجراحها، العاجزون آلام، والمحرومون جراح ! هؤلاء من يحب أن نعمل من أجلهم لنقيم العدل الاجتماعى الذى ولد مع مولد الإنسانية ونسقط الأنانية العمياء فى جنس البشر.
•أستاذ الاقتصاد السياسى – جامعة القاهرة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة