سليمان شفيق

بعيدا عن "لغة الشات" وإفيهات الفيس وثقافة التوك شو

الجمعة، 03 نوفمبر 2017 05:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عشت فى زمن كان فيه المؤرخ قاضيا قبل أن يكون باشكاتب تاريخ أو باحث فى التاريخ، حينذاك كنا نتعلم كيف نقرأ التاريخ من الدكاترة محمد شفيق غربال ومحمد أنيس ولويس عوض وعبد العظيم رمضان، حينذاك لم يكن ظهر "التوك شو" ولا "الفيس بوك"، وكان للعظماء لغة رصينة تدرس فى حد ذاتها كنوع من الأدب التاريخى، أيضا تثقفنا من برامج تليفزيونية على ايدى عظماء مثل فاروق شوشة وبرنامجه "لغتنا الجميلة " والذى علم أجيالا كثيرة جزالة اللغة العربية وجمالياتها بعيدا عن "لغة الشات" وافيهات الفيس، أو "نادى السينما "مع المتألقة د. درية شرف الدين التى كان نافذة لتذوق جماليات السينما ولغتها مع فيلم وناقد رصين، أو برنامج "حكاوى القهاوي" الذى ارتدت الإعلامية الأرستقراطية الراحلة سامية الأتربى جلباب بلدى ونزلت إلى الشوارع، فكان أبطال برنامجها البُسطاء على القهاوى، موظفُ أربعينى لم يتزوج بعد بسبب غلاء المعيشة، عاطل يبحث عن عمل، رجُل صعيدى قطع مسافات طويلة تاركاً أسرته وجاء يبحث عن حُلم العاصمة وأقل متطلبات الحياة، فنان بسيط، وغيرهم، هكذا نجحت المذيعة الإنسانه سامية الأتربى فى جذب الجمهور بتقديم نماذج منهم بعيداً عن نجوم الفن والمجتمع.
 
وكيف كانت الراحلة سلوى حجازى او رشا مدينة يستضيفون كبار الكتاب والمثقفين مثل :(طه حسين، زكى نجيب محمود، انيس منصور، لويس عوض ومحمود أمين العالم، الخ) وكنا نستمتع ونتعلم دون ضجيج، ولن نذهب بعيدا وكيف كانت لميس الحديدى تتحاور مع محمد حسنين هيكل، ترى لماذا شاهدنا من ايام زميلة من المذيعات تنهر أستاذ مؤرخ كبير؟
أيضا ومع احترامى للجميع كيف نجد أحد الباحثين من مشاهير عصرنا يتحدث فى التاريخ مستخدما ألفاظا غير رصينة ولا تندرج تحت لغة النقد البناء مثل ( نصاب، خائن، غبى الخ) وكيف يوجه تلك الصفات الى قادة عظام ؟ نحن لا ندعو لتأليه الرموز الوطنية ولا احد فوق النقد ولكن استخدام الافيهات واللغة السوقية يهبط بمستوى النقد الموضوعى الى ما هو اقل من "جلسات القهاوى البلدى" . 
 
على الجانب الآخر يذهب هذا الباحث فى الجرأة ان يتخطى مدارس من النقد التاريخى لها مكانتها وكيانها العلمى فى مصر واوربا، أمثال د. يونان لبيب رزق وجوان كول : " الاصول الاجتماعية والثقافية والثورة فى الشرق الاوسط لحركة عرابى " وجوان كول "الاستعمار والثورة فى الشرق الاوسط " والفريد سكاون بلنت " التاريخ السرى لاحتلال إنجلترا لمصر" إلخ وأيضا الوثائق البريطانية ذاتها، يتجاوز كل ذلك ويستخدم "افيهات صادمة"، ويستمر فى ذلك ساعة أو أكثر، أكرر لا يوجد من هو معصوم من النقد سوى من عصمهم الله سبحانه وتعالى من أنبيائه، ولكن ان يتحول النقد الى ازدراء الرموز فهذا يستحق الرد، وتحديد القضية، لا يجوز التعامل مع التاريخ من خلال " الشخصنة والازدراء "، لعلى اذكر أن أعدائنا الإسرائيليين كان لهم مدرسة علمية رصينة التى اصطلح على تسميتها "بمدرسة المؤرخين الجدد " لم تزدرى او تستخدم الفاظ "سوقية "، بل كشفت عن وقائع تاريخية تجاوزتها السياسة والمؤرخين السابقين، ما كنت أحب ان نتعلم من أعدائنا ولكن للأسف ربما يكون الجهل أشد فتكا من الحركة الصهيونية بكل أسف .
 
على الجانب الآخر من النهر وبعيدا عن التنديد والإدانة لبعض رؤى الإعلام وأفعال باروناته الجدد، لفت نظرى ان ما يحدث فى الاعلام الآن يذكرنى بما قاله استاذنا الجليل احمد بهاء الدين عن الانفتاح الاقتصادى فى زمن الراحل السادات بالقول :" انفتاح سداح مداح"، بالطبع لا اريد ان افتح المجال للمزايدين على القيم باسم الحرية، ولا عدت مقتنعا بما يردده بعض الاساتذة عن "مواثيق الشرف الاعلامي"، دون ادراك لأن هذا الكلام انتهى عمرة الافتراضى بإنتهاء عصر الثورة الصناعية والانتقال إلى عصر ثورة المعرفة والاتصالات، من قبل كان الصحفى يتعلم فى بيوتات صحفية مثل مدارس أهرام هيكل، وآخبار آل أمين، وجمهورية حسين فهمى وهلال مصطفى نبيل ومصور مكرم، وروز صلاح حافظ، الخ، واستمر الوضع مع من خلفوهم وكانت هذه البيوتات تعتمد التلمذة والتعلم والعلاقة بين الاستاذ والتلميذ الى حد ان يقال مثلا هؤلاء تلاميذ هيكل وآخرين تلاميذ آل أمين إلخ، وكانت هذه البيوتات تعلم بشكل يربط بين "القيم والمهارات والتقاليد" وكانت حديقة النقابة مجالا لنا نحن الشباب حينذاك لكى نستمع إلى كبار أساتذتنا من حكايات وتقاليد ومقولات ترقى إلى حد الحكمة مثل مقولة عمنا كامل زهيرى "أنا قارئ محترف وكاتب هاو"، وكان يجلس على مقعد النقيب : حافظ محمود وحسين فهمى وكامل زهيرى الخ، ولكن بعد انقضاء هذا العصر وتداخل البترودولار مع الصحافة وظهور مرجعية التمويلات الاجنبية، وتداخل رأس المال مع الكلمة ظهرت مدارس جديدة وعصرية أسقطت القيم وعظمت من شأن المهارات، وتبدلت التقاليد وتحول بلاط صاحبة الجلالة الى بورصة تداول الاسهم الصحفية، وتوغل الاعلام المرئى على الصحافة المكتوبة، وتحولت النقابة من حماية الصحافة الى حماية الصحفيين وأصبحنا فى أشد الحاجة الى اعادة تنظيم المهن والفصل بين التؤام الملتصق (الصحافة ـ الاعلام ) ليس بنقابة لكل منهما فقط ولكن بمرجعيات مهنية تمتلك نفوذ معنوى وادبى وتقنين. 
اللهم إنى قد بلغت اللهم فاشهد









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة