الخطورة فيما يتعرض له المسلمون فى أمريكا اليوم ليس فقط تصاعد حملة الكراهية والاعتداءات ضد المسلمين على هذا النحو، ولكن أن هذا التصاعد ارتبط به جوانب ثلاثة خطيرة وحددت الدراسه التى وضعها السيد زهرة، ونشرت منذ عدة سنوات وحملت عنوان «المسلمون والجنون العنصرى فى أمريكا»، عدة نقاط تبرز كيف تغيرت معاملة الأمريكان للمسلمن سواء على أراضيها أو فى العالم، وبدأت بعدة نقاط هى: أولا: أن الاعتداءات على المسلمين اتخذت كما نرى طابع العنف المباشر والاعتداءات السافرة على المسلمين والمساجد والمراكز الإسلامية.
هذا يعتبر تحولا خطيرا، ففى السنوات الماضية، كانت الحملات على المسلمين تتمثل أساسا فى الحملات العدائية الإعلامية، وفى هجمات عنصرية لفظية، ولم تكن الاعتداءات العنيفة المباشرة تمثل ظاهرة شائعة.
لكن فى الفترة الماضية أصبح هذا العنف المباشر سمة أساسية لما يتعرض له المسلمون. وقد وصل الحد كما رأينا إلى استخدام السلاح، وظهور ميليشيات مسلحة تستهدف المنشآت الإسلامية والمسلمين، ودعوات صريحة لاستخدام السلاح والعنف المباشر.
ثانيا: أن كل هذا الذى يتعرض له المسلمون من اعتداءات وجرائم يجرى وسط صمت من الطبقة السياسية والإعلام ومختلف قوى المجتمع الأمريكى، وحتى المسؤولين الأمريكيين.
صمت بمعنى أنهم يتعاملون مع هذه الجرائم بمنتهى عدم الاكتراث وعدم الاهتمام، كما لو كان الأمر يتعلق بتطور تافه ليست له أى أهمية.
كاتب أمريكى هو بن نورتون كتب تحليلا مطولا اعتبر فيه أن هذا الصمت هو عار يجلل أمريكا، استعرض ما يتعرض له المسلمون فى مختلف أنحاء أمريكا من اعتداءات عنيفة وجرائم كراهية وتساءل: «أين الغضب؟» وقال إن هؤلاء مواطنون أمريكيون.. هؤلاء مدنيون أبرياء ينتمون إلى اقلية مظلومة.
وأشار إلى قيام أفراد ينتمون إلى مليشيا مسلحة ينتمون إلى جماعات يمينية متطرفة بحصار مركز إسلامى، ونشرت مختلف المواقع صورهم، ومع هذا لم يغضب أحد فى أمريكا.
وقال الكاتب تعليقا على هذا: «لو أن أفرادا يحملون أسلحة قاموا بالاعتداء على كنيسة أو على معبد يهودى، لكان الأمريكيون قد انفجروا غضبا، ولكان قد تم اعتقال هؤلاء، أو حتى تم إطلاق النار عليهم».
وأضاف: «لكن عندما يكون المسلمون هم الذين يتعرضون للاعتداء والتهديد، وكل هذا الإرهاب، يتم تصوير الموضوع على أنه مجرد ممارسة للحرية».
الحقيقة أن هذا الصمت عن الجرائم التى ترتكب ضد المواطنين المسلمين هو تطور ومؤشر لا يقل خطورة عن الجرائم نفسها. هو مؤشر على أن حالة الكراهية والعداء للمسلين الأمريكيين قد وصلت إلى مرحلة متقدمة من التفاقم.
ثالثا: يرتبط بما سبق جانب خطير آخر، هو أن مؤشرات عديدة تشير إلى تأييد قطاعات واسعة فى أمريكا لكل المواقف العدائية ضد المسلمين مهما بلغ تطرفها وعدوانيتها.
يتضح هذا مثلا من أنه فى أعقاب التصريحات الفاشية العدوانية التى أدلى بها ترامب المرشح الرئاسى الجمهورى التى دعا فيها إلى منع دخول كل المسلمين إلى أمريكا، ارتفعت شعبيته وتزايد عدد المؤيدين له على الأقل من بين ناخبى الحزب الجمهورى.
فى أعقاب أدلاء ترامب بتصريحاته هذه، أجرى أحد المراكز فى أمريكا استطلاعا للرأى فى أوساط الناخبين الجمهوريين. نتائج الاستطلاع أظهرت أن %66 منهم يؤيدون دعوته إلى حظر دخول المسلمين، و%40 فقط عارضوها، و%14 لم يحددوا موقفهم.
وقد وصل الأمر إلى حد أن محطة تليفزيونية كبيرة مثل سى إن إن، نشرت على موقعها على الإنترنت، تقريرا تليفزيونيا، يشرح فيه أمريكيون لماذا هم يؤيدون دعوة ترامب.
لنتأمل ما قاله الذين أورد التقرير موقفهم.
ردا على سؤال: ما رأيكم بتصريح دونالد ترامب عن منع المسلمين من دخول أمريكا؟ جاءت الإجابات على النحو التالى:
أعتقد أنه يحاول حماية الشعب الأمريكى، ولا يقتصر الموضوع على المسلمين فقط فهو يقصد أى أحد يحتاج إلى اختبار أمنى، أعتقد أنه محق بشأن تفتيش الجميع، فنحن بحاجة إلى التأكد من أن شعبنا بأمان».
«الإسلام إن قرأته القرآن والحديث يتعارض مع الدستور الأمريكى. ومن أوائل مسؤوليات الحكومة هى أن تحمى الشعب الأمريكى.. ليس الشعب العربى أو الألمانى، بل الشعب الأمريكى».
«الهجرة هى ميزة وليست حقا، وعلى الشخص أن يحمل معايير خاصة حتى يحصل على قبول الهجرة، ويبدو أن أغلبية عمليات الإرهاب التى حدثت فى العقدين الأخيرين نفذت من قبل مسلمين».
هذه نماذج لما أورده تقرير الـ«سى إن إن» نقلا عن أمريكيين فى معرض تأييدهم لموقف ترامب.
الجوانب الثلاثة السابقة تشير إلى أننا إزاء ليس موجة عابرة من الكراهية العنضرية والعداء للمسلمين فى أمريكا، وإنما إزاء تطور أعمق وأخطر بهذا بكثير.. إزاء تحول فى منتهى الخطورة.. «يتبع».