وائل السمرى

نائب الصفعة

الأحد، 05 نوفمبر 2017 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذا مشهد لا ينتمى إلى الحاضر، ولا يبشر بما يمكن أن يكون عليه المستقبل، هذا مشهد جدير بأن يعود إلى كلاسيكيات الصورة الذهنية لعصر العبيد، يقف الأغا ناسيا أنه «أغا» على أراضى عزبته الممتدة بامتداد العين، ينظر إلى هذه الفلاحة أو تلك، لا يهمه أى شىء ولا يضع فى اعتباره شيئاً، كل همه أن يثبت لنفسه أنه أصبح فى عز بعد ذُل ورفعة بعد هوان، وكيف السبيل إلى هذا المبتغى دون أن يمارس هو ما كان يمارس ضده فى القديم؟ ولهذا يسرع فى إثبات سيادته على من هم دونه بصفعة على وجه فلاح أو ضربة على ظهر فلاحة.
 
وقد ظن المؤرخون أن هذا المشهد انتهى تمامًا من قاموس الحياة المعاصرة، غير أن النائب متجود الهوارى كان له رأى آخر، وفِى لحظة واحدة قام بصفع فلاحة أصيلة من أبناء هذه الأرض كانت تُمارس عملها كأمهر شغيلة تلتقط الديدان من فوق عيدان القطن، وتسأل كل من يحاول دخول الجامعة عن إثبات هويته، وهو ما حدث مع ابنة هذا النائب، التى ظنت أنها فوق السؤال، فاستنجدت بأبيها: «أنقذنى يا أبى، هم يعاملوننى كما لو كنت فلاحة مثلهن»، فهب الأب إلى ابنته صافعا مشرفة الأمن. 
هذا المشهد لا ينتمى إلى أمة تريد أن تطبق القانون، وأن يجمع بين أبنائها دستور، هذا مشهد ينتمى إلى العصور الوسطى، إلى عصور الوضاعة، إلى عصور انتهاك الإنسانية، إلى عصور ما قبل الدولة وما قبل معرفة الحق والفضيلة.
 
لا أمل لنا فى حياة إن لم نجتث هذا المشهد وأبطاله من ذاكرتنا الحية، لا خير فى عرق أو عمل أو أمل طالما بقى أمثال هذا المنجود فى حياتنا، ولا أمل أيضا فى مستقبل يكون فيه القصاص بقبلة على الجبين، أو بـ «معلش دى ساعة شيطان»، لأننا نغذى الشيطان الكامن فى داخلنا بهذه الـ«معلش» ونهدر قيمة القانون ومعنى الدولة بأن يصبح القصاص من مرتكب الصفعة بقبلة على الرأس أو كلمة ترضية رخيصة.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة