خلافات مستترة، ما بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ووزير خارجيته ريكس تيلرسون، يسعى البعض لإصلاحها، لإعادة العلاقة إلى ما كانت عليه من قبل، إلا أن تصريحات الطرفين، ما بين فترة وأخرى، عادة ما تكشف عما وصلت إليه حدود هذه العلاقة من ثقة كبيرة تبددت وتحولت لتوتر واضح وربما مواجهة ما بين وزير ورئيسه.
كيف تبدد " طن" الطموحات التى وضعها الرئيس الأمريكى على وزير خارجيته؟
"هو أكثر من مدير أعمال، إنه لاعب على مستوى عالمى"، بهذه الثقة وصف ترامب "ريكس تيلرسون" فى تصريحات سبقت إعلانه رسميًا وزير خارجية للولايات المتحدة الأمريكية، فخلال هذه الفترة كان الرئيس الأمريكى منبهر بشخصية "تيلرسون" ، - الذى كانت تربطه به علاقة صداقة - وتشابه فى كونهما لم يمارسا السياسة من قبل، وكان على ثقة بأنه الرجل الأنسب لتولى وزارة الخارجية، لأنه الأنسب فى التفاوض فى القضايا الخارجية الهامة، وفى قيادة سياسة أمريكا الخارجية.
وزير الخارجية والرئيس الأمريكى
وفى تقرير نشرته "نيويورك تايمز" نقلت خلاله تصريح لـ"ستيف بانون" مستشار ترامب السابق تحدث فيه عن تفاصيل أول لقاء جمع ما بين ترامب، وريكس فى واشنطن خلال اختيار الرئيس الأمريكى لأعضاء حكومته، وانبهار ترامب بهذه الشخصية.
وقال بانون "الرئيس عادة ما يضع طن من الطموحات على الانطباعات الأولى ، وبمجرد خروج تيلرسون من مكتبه بعد هذا الاجتماع كنت أعلم أن المنصب سيذهب له".
بداية التوتر
العلاقة ما بين ترامب وتيلرسون لم تستمر على هذا القدر من التناغم والثقة، فبعد 10 شهور مرت منذ تأدية ريكس تيلرسون قسم توليه الخارجية الأمريكية، بدا حجم الخلاف بين الشخصيتين حتى فى طريقة الإدارة، وفى سياسة كل منهما تجاه القضايا المتعلقة بسياسة أمريكا الخارجية.
ريكس تيلرسون يؤدى القسم لتولى وزارة الخارجية الأمريكية
فكرة وجود خلافات عززها تقرير نشرته شبكة "إن بى سى" الأمريكية ، اكدت خلاله أن تيلرسون نعت ترامب بـ"الأبله" فى اجتماع في مقر وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون" ، حيث أكدت الشبكة نقلا عن عدد من كبار المسئولين الأمريكيين أن نائب الرئيس مايك بنس التقى تيلرسون بعد أيام ليطلب منه تخفيف حدة التوتر.
وحينما سُئل وزير الخارجية الأمريكى فى مؤتمر صحفى حول وصفه ترامب بـ"الأبله" رد قائلا: "لن اهتم بأمور سخيفة إلى هذا الحد"، معتبرا أنه "لا هدف لذلك سوى بث الفرقة ولن أشارك فى الجهود الهادفة إلى تقسيم هذه الإدارة".
ما نشرته الوكالة الأمريكية أثار أزمة حاولت الإدارة الأمريكية احتواءها، من خلال نفى ما تم تداوله بشكل رسمى، على لسان المتحدثة باسمها هيذر نويرت، التى أكدت بدورها أن تيلرسون لم يقل ذلك وأنه لا يتحدث بهذه الطريقة.
هذا النفى، وتأكيد تيلرسون على البقاء فى منصبه دفع ترامب لمهاجمة الشبكة الأمريكية، مطالبًا إياها بالاعتذار، مؤكدًا ثقته الشديدة فى وزير الخارجية.
ورغم ذلك فإن ترامب حينما سُئل مرة أخرى عن الواقعة فى حوار له مع مجلة فروبس، أظهر رد فعل مختلف، حيث قال إنها أخبار كاذبة ولكنه حتى لو قال ذلك فانا أدعوه لإجراء اختبار الذكاء "آي كيو"، وهو ما جدد الحديث حول الخلاف بينهما.
تيلرسون يتحدى ترامب.. تصريحات الرئيس الأمريكى تعبر عنه فقط وليس عن الإدارة الأمريكية
نبرة التحدى ما بين تيلرسون وترامب ظهرت أيضا فى بعض تصريحات تيلرسون والتى تمثل أبرزها فى تعليقه على موقف ترامب فى أحداث "شارلوتسفيل" العنصرية التى وقعت فى أغسطس الماضى، وقتلت فيها إمرأة فى مظاهرة لناشطين من اليمين الأمريكى المتطرف تحولت إلى صدامات وقتلت امرأة حين تعمد أحد النازيين الجدد صدم متظاهرين مناهضين للعنصرية بسيارته، وعلق ترامب على هذه الحادثة بأن الطرفين مخطئين، وهو ما رفضه وزير الخارجية الأمريكى.
وقال تيلرسون خلال اللقاء إن الولايات المتحدة ملتزمة بالحرية و"معاملة متساوية للناس فى جميع أنحاء العالم"، قائلا: "لا اعتقد أن أحدا يشكك فى قيم الشعب الأمريكى".
وهو ما دفع المذيع لسؤاله وماذا عن قيم الرئيس الأمريكى فى إشارة لتصريحات ترامب وموقفه من الواقعة . فرد تيلرسون " الرئيس يتحدث عن نفسه فقط"، وهو ما ظهر كتحد واضح من وزير الخارجية الأمريكى تجاه الرئيس.
تويتر.. وسيلة ترامب لإحراج تيلرسون
إحراج ترامب لوزير خارجيته، وصل إلى حد إبلاغه برأيه فى آلية علمه من خلال تدوينات تويتر، ففى الوقت الذى أصر فيه تيلرسون على إجراء مفاوضات فى قضية أسلحة كوريا الشمالية، فوجئ وزير الخارجية بتدوينة للرئيس الأمريكى يطالبه فيها بتوفير طاقته ومجهوده فى المفاوضات.
وكتب ترامب على حسابه في موقع "تويتر"، بعد يوم واحد من إعلان تيلرسون أن الولايات المتحدة لها قنوات اتصال مباشرة مع كوريا الشمالية: "لقد قلت لريكس تيلرسون وزير خارجيتنا الرائع إنه يضيع وقته في محاولة التفاوض مع رجل الصواريخ الصغير".
تدوينة دونالد ترامب لريكس تيلرسون
الخلافات فى القضايا الخارجية.. من أزمة قطر حتى التفاوض مع كوريا الشمالية
قضية كوريا الشمالية لا تعد الخلاف الوحيد ما بين ترامب وتيلرسون فى سياسة أمريكا الخارجية، حيث ظهر هذا التناقض فى عدد آخر من القضايا أهمها أزمة قطر مع الرباعى العربى، حيث شاب التدخل الأمريكى فى أزمة قطر عدم الوضوح، خاصة مع تضارب المواقف ما بين الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته، ففى الوقت الذى أعلنت فيه دونالد ترامب عن موقف واضح ضد قطر، ودعمها للإرهاب عقب مقاطعة الدول العربية، وجدنا وزير الخارجية الأمريكى يسير فى طريق مختلف، يظهر تحيزًا واضحًا لقطر، لدرجة وصلت إلى وصفه للمطالب العربية بغير المنطقية وإشادته بعقلانية قطر .
ورغم تهديدات دونالد ترامب المستمرة لقطر، والتى وصلت للتهديد بنقل القاعدة الامريكية ، من قطر والتى تعد الأكبر فى الشرق الأوسط، وجدنا وزير الخارجية الأمريكى يوقع مذكرة مع وزير خارجية لقطر لمواجهة الإرهاب.
وزير الخارجية الامريكى ووزير خارجية قطر
القضية الفلسطيني وحل الدولتين
القضية الفلسطينية هى القضية الثالثة التى ظهر فيها تناقض المواقف ما بين الرئيس الأمريكى وإداراته، ففى الوقت الذى دعم فيه وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون حل الدولتين، قال الرئيس الأمريكى أن حل الدولتين لا يعد السبيل الوحيد لحل القضية الفلسطينية .
وفى فبراير الماضى، أكد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أن حل الدولتين ليس السبيل لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مشيرا في الوقت نفسه، إلى أنه سيعمل لتحقيق السلام بين الجانبين.
وهو ما أعلنه البيت الأبيض أيضا مؤكدًا أن واشنطن لن تصر بعد الآن على حل الدولتين، الذي يعتبره المجتمع الدولي مبدأ أساسيا للحل، وأنه لن يملي بعد الآن شروط أي اتفاق سلام محتمل بين الاسرائيليين والفلسطينيين.
التلويح بإقصاء تيلرسون من الخارجية الأمريكية
ووصلت حدة التوتر ما بين الرئيس الأمريكى ووزير خارجيته إلى أقصاها بإعلان ترامب صراحة عن احتمالية إعادة النظر فى الإبقاء على ريكس تيلرسون فى منصب وزير الخارجية ملوحًا بأنه هو فقط من يحدد ذلك لأنه "هو الشخص الوحيد المهم" على حد قوله.
وقال الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إنه غير متأكد من بقاء وزير خارجيته ريكس تيلرسون فى منصبه حتى نهاية ولايته الرئاسية، مضيفا أنه "غير راض" عن عدم تأييد بعض موظفى الوزارة لبرنامجه السياسى.
donald-trump-
ترامب يهدد.. أنا من أحدد سياسة أمريكا الخارجية.. أنا الشخص الوحيد المهم
وفى مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الخميس الماضى هاجم ترامب الوزارة تحت قيادة تيلرسون وقال إنه وحده من يحدد السياسة الخارجية الأمريكية، قائلا: "صاحب الشأن هو أنا.. أنا الشخص الوحيد المهم".
وعندما سئل هل يخطط للإبقاء على تيلرسون لما تبقى له فى فترته الرئاسية قال:"حسنا.. سوف نرى.. لا أعرف".
دونالد ترامب وريكس تيلرسون
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة