"صعيد بلا ثأر".. الحياة تعود لمحافظات الجنوب وسلسال الدم يتوقف.. أصوات الرصاص استبدلت بأصوات ماكينات العمل.. الداخلية حرزت الأسلحة وصالحت الخصوم.. والأهالى يرددون قصة قتل 10 شباب ثأراً لـ"حمار"

الأربعاء، 08 نوفمبر 2017 06:00 م
"صعيد بلا ثأر".. الحياة تعود لمحافظات الجنوب وسلسال الدم يتوقف.. أصوات الرصاص استبدلت بأصوات ماكينات العمل.. الداخلية حرزت الأسلحة وصالحت الخصوم.. والأهالى يرددون قصة قتل 10 شباب ثأراً لـ"حمار" الحياة تعود لمحافظات الجنوب وسلسال الدم يتوقف
تحليل يكتبه: محمود عبد الراضى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
محمود عبد الراضى
 

لم يكن الإرهاب بمفرده الخطر الوحيد على مصر، وإنما هؤلاء الذين يحملون السلاح ويروعون الآمنيين ويقتلون الأبرياء بدون ذنب، تحت شعار "الأخذ بالثأر" هم أشد إرهاباً وتطرفاً فى الفكر.

 

سنوات طويلة عانى خلالها صعيد مصر الطيب، من ثقافة "الثأر" السيئة، تلك الثقافة التى دمرت عائلات، وأدخلت شباب القبور وزجت بآخرين فى السجون، ليكون الجميع خاسر، من قتل ومن قُتل، على حد سواء، فى معارك وسلسال للدم لن يتوقف.

 

السلاح وانتشاره وسهولة الحصول عليه، خاصة فى ذلك تفقده من بعض دول الجوار بواسطة المهربين، وتحويل البعض منازلهم "ورش لتصنيع السلاح"، ساهم بشكل كبير فى انتعاش جرائم الثأر فى الجنوب، ليزداد عدد القتلى وبطبيعة الحال عدد المتهمين.

 

منازل دُمرت وسيدات يتشحن بالملابس السوداء لسنوات طويلة، وأهالى لم يجنوا من وراء "الثأر" سوء المر والعلقم، ليلعن الجميع هذه العادة القبيحة التى أطلت برأسها على صعيد مصر، فدمرت المنازل الهادئة وأهلكت الحرث والنسل.

 

فى موسم "الحصاد"، ترتفع نسبة حوادث الثأر، فقد جمع الفلاحون محاصيلهم وباعوها للتجار وحصلوا على المال واشتروا السلاح، لتنفيذ جرائم الثأر، والتى لا تسقط بمرور السنوات، فكم من طفل صغير أرضعته والدته نار الثأر منذ نعومة أظافره، فما أن شب وكبر واستطاع حمل السلاح نفذ الجريمة التى يتفاخرون بها، وكم من "ميت" لم يقام له العزاء إلا بعد سنوات طويلة، حيث انتظر أهله "الأخذ بالثأر" ليتلقوا العزاء وقتها، ولو مر على وفاته خمسون عاماً، ليبدأ تسلسل الجرائم، فتارة يسقط شاب من عائلة فلان، وتارة أخرى من خصومهم، حتى لا ينتهى الأمر.

 

لا أحد ينسى قصة الثأر الشهيرة بالصعيد، عندما خرج شاب بحماره فتصادف إطلاق آخر الرصاص للصيد، فأصاب طلق نارى الحمار وآخر من يركبه، ليسقط الاثنين قتلى، فقررت عائلة القتيل الانتقام لذويهم، فقتلوا 10 أشخاص من عائلة القاتل، وعندما سألوهم عن سر قتلهم 10 أشخاص فى مقابل شخص واحد، أكدوا أنهم لم يأخذوا الثأر بعد، وإنما هؤلاء القتلى فى مقابل الحمار، بينما يخططون لقتل المزيد للثأر لروح الشاب.

 

أطفال صغار أطلوا بأعينهم للدنيا لم يروا أباؤهم الذين التهمتهم نيران الثأر، وسيدات لا تشاهدن أزواجهن منذ 50 سنة، فأصبحوا مطاردين "فى بلاد الله"، خوفاً من الثأر لا يعرفون شىء عن أسرهم، حتى  وإن التقوا صدفة لا يعرفون ملامح تلك الوجوه.

 

وزارة الداخلية بدأت تلتفت لخطورة الثأر، فقررت السير فى طريقين على التوازى، أولهما جمع السلاح غير المرخص وتجفيف منابعه باعتباره أهم أدوات تنفيذ جرائم الثأر، وثانيهما إطلاق مبادرات للصلح بين الخصوم ووقف سلسال الدم.

 

ونجحت أجهزة الأمن فى حملات مكبرة استهدفت جميع محافظات الصعيد مؤخراً فى ضبط "5113 قطعة سلاح آلى، و92 رشاشا، و3 مدفع جرينوف، و195 سلاح مششخن، و5989 بندقية خرطوش، و808 مسدسات، و7561 فرد محلى الصنع، و108250 طلقة نارية".

 

كما نجحت مبادرات وزارة الداخلية "صعيد بلا ثأر" فى تحقيق نتائجها المرجوه، فأعلنت عائلات عديدة العدول عن فكرة الثأر، والتصالح مع خصومهم، رافعين شعار "التسامح" والعفو عند المقدرة، ومن ثم بدأت الحياة تدب في الصعيد مرة أخرى، واختفت أصوات إطلاق الرصاص، وتم استبدالها بأصوات ماكينات العمل، وبدأ جيل جديد يظهر فى المشهد يجمع ما فرقته نيران الثأر، ويدعوا للتضافر والتوحد ونبذ العنف وعدم قتل النفس التى حرم الله قتلها إلا بالحق، والحرص على حياتها، لأنه من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة