أكرم القصاص - علا الشافعي

ناهد زيان تكتب : العصامى جدا نصف مغرور ونصف كذاب !

الأربعاء، 08 نوفمبر 2017 10:00 م
ناهد زيان تكتب : العصامى جدا نصف مغرور ونصف كذاب ! أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحياة رحلة من المستحيل أن تنجح فيها بمجهود فردى بحت مدعيا أنك خضت معركتك وتجربتك بمفردك متجردا عن أى اعتماد على الآخرين أو مساندة منهم . فمنذ لحظة ميلادك وأنت تدين بحياتك لتلك الأم – بعد الله بالطبع - التى كانت قاب قوسين أو أدنى من مفارقة الحياة لتدخلها أنت وتعيش مع وهم أن لا فضل لأحد عليك فيها!!!
 
وحين يبرع بعض منا فى مجاله وتخصصه وحرفته يعتقد جازما أنه صنع عبقريته وموهبته وصموده وأنه صنع نفسه بعصامية فريدة، ثم يعيش ذلك الاعتقاد حد أنه نسى معه بكل جوارحه تلك الأيادى التى امتدت له طوال مشواره لتهبه دفعة للأمام وتذلل له عقبة كان من الممكن جدا أن توقف مسيرته وتعطل نجاحه.
 
الحقيقة أننى أدركت الآن أننى وإن كنت حققت شيئا من النجاح فى حياتى وشخصيتى كما يعتقد البعض وكما يحلو لى أن اعتقد أحيانا فإن ذلك مرده لكثيرين جدا ممن دعمونى بحب وإخلاص وبساطة وتواضع أيضا بداية من أسرتى سيما أبواى وعمى وجدتى يرحمها الله التى علمتنى الحكى والكلام والإنصات وحتى الغضب.
 
وبعيدا عن أسرتى ومعلمتى الأولى بالمدرسة "أبلة زينة" التى شكلت كثيرا من وعيى مبكرا وعن صديقاتى وأستاذتى التى لازلت انعم بصحبتها والتتلمذ على يديها والتى لى عنها حديث آخر فإن هناك أياد عديدة امتدت لى بربتة على كتفى أو بدفعة لأواصل سيرى ومتابعة طريقى عجبت جدا حين جلست مع نفسى اذكر بعضهم بفعل الصدفة البحتة وبعدها همست لنفسي: يالكِ من غافلة!!!. ولذلك قصة.
 
على صفحتى الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى الفيسبوك صادفنى نعى لأحد جيرانى فى بلدتى التى فارقتها منذ سنوات قليلة مضت بسبب الزواج، ويدعى الأستاذ محمد الصعيدى فانتابنى حزن ووجع لموته الذى كان بالنسبة لى صدمة بكل المقاييس رغم يقينى بأننا جميعا لهذا المصير لكنها وقع المفاجأة ولصغر سنه يرحمه الله. مثار حزنى أنى أعرف الرجل معرفة قوية وموثقة بتاريخ طويل من الخلق والأصل الطيب ففى الريف مازال كثيرون منا نسابون بفعل الغريزة والفضول فنقول فلان ابن فلان ابن فلان ومن هنا نقول عن بعض من نعرفهم بثقة خيار من خيار من خيار أيضا بسبب الخلق والأصل الطيب ولا علاقة للمال والجاه بالأمر فى شيء.
 
آخذك بعيدا لبرهة بسيطة فأقول : حين تخرجت من الجامعة وعزمت على مواصلة دراستى العليا وكلى أمل أن أمر تعيينى بالجامعة مسألة وقت ليس إلا بسبب تقديرى وترتيبى على الدفعة أحاطتنى مباركات أسرتى وأهلى الذين كانوا يأملون نفس الشيء ويترقبونه بشوق وأمل غير أن الأمور وللأسف لم تسر كما كنت آمل وأتمنى بخصوص هذا التعيين فأكملت مشوار الدراسات العليا دون يأس وفتور ذلك اليأس الذى أصاب من حولى حينا من الزمن وجعل بعضهم ينقلب ضدى ويرى أن مسألة الدراسة تلك مضيعة للمال أولا ثم للوقت!!! فكان أن اتخذت قرارا مصيريا بمواصلة دراستى بمجهودى الشخصى الفردى المادى والمعنوى وقد كان.
 
كنت طوال الوقت بعد ذلك القرار الذى امتد لسنوات حتى زواجى أتعالى وآنف وتأبى كرامتى أن أطلب أى شيء من أسرتى فيما يخص نفقاتى على الدراسة وغيرها وتحملت وحدى عبء ذلك من راتبى الذى كان لا يقارن بحجم نفقاتى على الدراسة، والسؤال هنا: كيف استطعت سد تلك الفجوة بينهما "دخلى البسيط وإنفاقي"؟؟
 
الحقيقة أننى كنت أستدين من زميلاتى وزملائى فى العمل وكان الجميع رجال فى مروءتهم معى رجالا ونساء على السواء. كنت أستدين من أهلى ومعارفى حتى يأتى الراتب آخر الشهر الذى كان لا يأتى إلا بعد عذاب وانتظار طويل. كنت أستلم راتبى فأسدد مديونياتى لأستدين من جديد للسفر للقاهرة ولشراء الكتب التى كنت لا أتردد فى اقتنائها طالما أفادتنى وأفادت بحثى ولتصوير المراجع ودفع مصروفات الجامعة ثم لحضور المناقشات والندوات والمؤتمرات لاهثة وراء حلمى وتكوين شخصيتى كباحثة ظننتها عصامية مئة بالمائة!!
 
فى تلك الفترة كان تليفون منزلنا ليس به خاصية الاتصال المباشر بالمحافظات الأخرى فكنت أتصل بأساتذتى وزملاء دراستى وصديقاتى من أى سنترال قابلنى ولكن كانت المشكلة حين يلزمنى مكالمة أى من هؤلاء ليلا وفى ساعة متأخرة لظرف طارئ وهنا كانت نجدتى على يد الأستاذ محمد الصعيدى رحمه الله الذى كان قد افتتح سنترالا خاصا به وفى مرة كنت اتصل من عنده فقال لى بأدب وود أنه يمكننى أن أتصل به من منزلى وأعطيه الرقم فيحول المكالمة لى منزليا وأنا فى مكانى ثم أدفع ثمنها فى أى وقت بعدئذ، وقد كان .
 
كنت أتصل به وأعطيه الرقم وأتحدث على راحتى وعلى مهل وأنهى المكالمة ثم أتصل به وأقول له: أنا خلصت يا أستاذ محمد، فيقول: ماشى يا أستاذة مع السلامة!! دون أن يؤكد أن حساب المكالمة كذا ودون أن يضيف أى شيء آخر الأمر الذى كان يزيد حرجى فأبكر فى الذهاب له لدفع ثمن المكالمة فيبتسم بأدب كبير وحياء ويقول لي: حسابنا كذا، طيب خلى والله دلوقتي!!!
هذا الرجل الذى لم أعرف عنه نقيصة يوما ولم أسمع له صوتا عاليا ولم أره فى موقف تشاحن أو تناحر مع أحد أبدا هو من صادفنى نعيه لأعلم أن الله قد توفاه فى أواخر رمضان، ليرحل فى صمت وأدب كما عاش مؤدبا سمحا هادئا. وهكذا يرحل الطيبون دون صخب دون نزاع دون وداع حتى.
 
قد يأتيك التشجيع والدعم فى صورة دعوة من قريب أو غريب عنك، أو كلمة ودودة أو نصيحة، فتثير فى النفس دهشة ونورا يدفعك لتواصل وكانت طاقتك قد قاربت على النهاية.
 
واهمة عشت معظم حياتى شأن كثيرين غيرى مغرورة بأكذوبة العصامية والاعتماد على النفس فيما يشبه نكران الفضل والمعروف وأنا التى حظيت بتشجيع كبير من كل من أحبونى بصدق وأولهم أمى وعمى وخالاتى وعمتى وزميلاتى وزوجى وحتى أولادى أولئك الصغار الذين احتضنونى وعالجوا ضعفى الذى كنت أخفيه وراء تلك الملامح الحازمة كذبا وادعاء. حقيقة واضحة لى الآن هى أننا فى رحلة الحياة تلك كالسلسلة الغذائية التى كنت ندرسها فى العلوم صغارا مراحل توصل لمراحل أخرى، ولكل دوره الذى يتكامل مع دور غيره. ليس منا من هو نبات شيطانى نبت بفعل نفسه دون غرس أو حرث أو إرواء. بل أن النبات الشيطانى نفسه هو نبتة لبذرة وضعت منذ زمن رهن أن توافقها قطرة مطر فتنبت ولكن ليس بجهد ذاتى بحت حتى النهاية.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة