أواصل قراءاتى للدور الأمريكى فى العالم العربى والإسلامى، وذلك استنادًا إلى الدراسة الخطيرة للدكتور جواد بشارة، التى حملت عنوان «الصراع الروسى الأمريكى فى الشرق الأوسط»، حيث يرى الباحث أن تركيا أعادت طرح مسألة استعادة ولاية الموصل وضمها لتركيا مرة أخرى خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988، فقد خسرت حكومة بغداد برئاسة صدام حسين، السيطرة على شمال العراق، وبالتالى فقدان السيادة العراقية على كامل التراب العراقى ضمن الحدود الدولية المعترف بها.. وفى سنة 1983 أعطى صدام حسين الإذن للأتراك باجتياح القوات التركية للأراضى العراقية لملاحقة مقاتلى حزب العمال الكردستانى داخل الأراضى العراقية.
عند ذلك أعلمت تركيا حلفاءها فى حلف شمال الأطلسى بأنها ستبسط سيطرتها على الموصل فى حالة سقوط نظام صدام حسين. وفى سنة 1990 بدأت ملامح تفكك الاتحاد السوفيتى واستغلت أمريكا ذلك الظرف الاستثنائى لتضع موضع التنفيذ مخططها لتفتيت وتقسيم العراق، خاصة بعد أن غامر نظام صدام حسين بغزو الكويت فى سنة 1990، وبدأت المخابرات الأمريكية حملتها الإعلامية والدعائية للتمهيد للتدخل العسكرى الأمريكى، وكلنا يتذكر قصة الممرضة الكويتية، التى ظهرت تبكى وهى تروى سرقة القوات العراقية لحضانات الأطفال حديثى الولادة ورميهم على الأرض وهى مسرحية معدة بإتقان قامت بها ابنة السفير الكويتى فى واشنطن بغية إثارة الرأى العام الأمريكى والعالمى ودفع الأمريكيين للتدخل العسكرى.
وهكذا تشكلت قوات تحالف دولية لتحرير الكويت ومهاجمة العراق، وخلال الفترة بين 20 مارس و2 مايو 1995 جرت عملية ستيل أو الفولاذ التى تغلغل فيها 35 ألف جندى تركى داخل الأراضى العراقية فى شمال العراق بحجة مطاردة مقاتلى حزب العمال الكردستانى.
وفى نهاية العملية العسكرية طالب الرئيس التركى، سليمان دمريل، باسترجاع الموصل وضمها لتركيا، متهمًا الغرب بتطبيق معاهدة سيفر التى لم توقع ولم توافق عليها تركيا.
فى 16 ديسمبر 2002 انعقد مؤتمر لندن للمعارضة العراقية تحت إشراف الأمريكى زلماى خليل زادة، من أصل أفغانى، وجمع كافة الفصائل والفعاليات السياسية والمكونات الدينية والمذهبية والعرقية أو الإثنية، كرد وسنة وشيعة وشيوعيين وبعثيين منشقين وإسلاميين، للاتفاق على مشروع سياسى موحد فيدرالى لمرحلة ما بعد صدام حسين.. واتفق الجميع على صيغة فيدرالية للعراق والأخذ بالاعتبار الخصوصية الكردية وحق تقرير المصير للشعب الكردى والمستوحى من نصوص مؤتمر صلاح الدين المنعقد سنة 1992.
كانت أمريكا تراقب عن كثب تطورات الوضع فى العراق على كافة الأصعدة وتستعد لغزو العراق، الذى حصل فى 19 - 20 مارس آذار سنة 2003 بتهمة حيازة نظام صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل المحرمة دوليًا. والكل يعلم ما حدث بعد ذلك خلال الأربعة عشر عامًا المنصرمة بضمنها فترة الاحتلال الأمريكى للعراق، التى انتهت رسميًا فى نهاية عام 2011 بيد أن الأمريكيين لا يزالون يتحكمون بمصير العراق وطبيعة النظام فيه، ويتدخلون فى كل صغيرة وكبيرة، ولديهم أكبر سفارة أمريكية فى العالم فى بغداد يعمل فيها أكثر من عشرة آلاف شخص.
وحسب الدراسة فقد تم منح شمال العراق صفة الإقليم شبه المستقل إن لم نقل المستقل تمامًا فى واقع الأمر، بينما تمردت المنطقة الغربية ذات الغالبية السنية على الحكومة المركزية ذات الأغلبية الشيعية، الأمر الذى هيأ الأجواء الملائمة لتسلل العناصر الإرهابية فى تنظيم القاعدة الإرهابى، بقيادة الإرهابى المقبور أبو مصعب الزرقاوى، الذى ورثه تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام داعش، بزعامة أبوبكر البغدادى، الذى اجتاحت عناصره الإرهابية المسلحة، واحتلت مناطق واسعة من العراق فى الرمادى وصلاح الدين وتكريت وكل مناطق محافظة الأنبار ومحافظة الموصل، التى أعلن منها تأسيس دولة الخلافة الإسلامية، إلى جانب السيطرة على منطقة الحدود السورية العراقية ومساحات واسعة من سوريا كدير الزور والبو كمال والحسكة والرقة، التى أعلنت كعاصمة لدولة الخلافة.. كانت روسيا ضعيفة وتعانى من مشاكل اقتصادية لم تلتئم جراحها بعد من جراء تفكك الاتحاد السوفيتى ومنعكفة على نفسها ومنشغلة بمشاكلها الداخلية إبان أزمة العراق فى تسعينيات القرن الماضى وبدايات القرن الحالى لغاية غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، ولم تنهض كقوة عالمية متصدية للجبروت الأمريكى إلا بعد وصول فلاديمير بوتين للرئاسة وسيطرته على مفاتيح السلطة فى بلاده.. ولقد تعافت روسيا إبان رئاسة أوباما واندلاع الأزمة السورية.
ارتكبت المعارضة السورية نفس الخطأ، الذى ارتكبته المعارضة العراقية ألا وهو الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، فلقد لعب المعارض السورى رضوان زيادة نفس الدور، الذى لعبه الراحل أحمد الجلبى لدى الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع والخارجية والمخابرات المركزية السى آى أيه، وكان زيادة عضوًا فى مركز دراسات حقوق الإنسان، وعضو فى جمعية دراسات الشرق الأوسط ومدير مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية فى واشنطن.
وطالب الأمريكيين بالتدخل المباشر لإطاحة نظام بشار الأسد وكان يأمل أن تتخذ الدول الغربية، أمريكا وأوروبا الغربية، قرارات فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بهذا الاتجاه، لكنها خيبت آماله.. كان يرى أن الحل الوحيد الممكن هو تأمين الحماية الدولية للشعب السورى وخلق منطقة حظر الطيران على غرار ما حدث فى العراق سابقًا وفى ليبيا لاحقًا وخلق منطقة آمنة محمية دوليًا قرب الحدود التركية تحرسها القوات التركية وقوات الحلف الأطلسى، وحث تركيا على اتخاذ مواقف أكثر صلابة وحزمًا تجاه سوريا.. يتبع
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة