القرار الذى اتخذه الرئيس الأمريكى ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لن ينتهى أثره بسهولة، بل إن الخبراء والمحللين يرون أنه سيغير الكثير فى الخريطة السياسية العالمية، وطبعا ما يهمنا هو رد الفعل العربى والإسلامى على هذا القرار، وما يثيرنى للمرة الثانية لماذا لا ينفعل «المتطرفون» الذين يدعون أنهم يدافعون عن الإسلام بمثل هذا القرار، ويذهبون ليحرروا القدس، وكنت قد كتبت مقالة عن ذلك من قبل وسأعيدها للمرة الثانية لضرورتها.
الجميع يتابع ما يحدث فى سيناء، ليس فى الفترة الأخيرة فقط، لكن منذ قديم الأزل، فدائما كان هناك المتعصبون دينيا والخارجون عن القانون والإرهابيون والمتطرفون وقساة القلوب ومدعو الحكم باسم الله، الذين يستقوون على الفقراء والبسطاء، ومن لا حول لهم ولا قوة من أهل سيناء، يرعبونهم ويهددونهم بل ويشردونهم ويقتلونهم، وكأن سيناء وناسها هم العصاة المذنبون الذين ينتقم الله منهم.
ربما تأتى الغرابة المضاعفة من هؤلاء المتأسلمين من أنه على بعد كيلومترات من سيناء يوجد «القدس» بمعاناته الشهيرة على يد جيش الاحتلال، وبما يحدث للشعب الفلسطينى هناك من سجن وتعذيب وقتل وتهجير، وخطط الصهاينة للاستيلاء على الأثر العربى الإسلامى معروفة ومكشوفة، ومع ذلك لا نجد من يحرك يدا لنجدة فرد فلسطينى أو لحماية جدار أو أثر، بل نشاهد تفجيرات فى بيوت السيناويين وكنائس المسيحيين، ولا نرى أى تضامن مع طفل فلسطينى حرقه مستوطنون يهود.
كل هذه الأشياء أدعى للشك بل التأكد من أن مدعى التدين فى سيناء لا علاقة لهم بدين، فالكل يعرف أن مدينة القدس فى العقيدة الإسلامية لها مكانتها الجوهرية، وأن سقوطها فى يد جيش الاحتلال الإسرائيلى وتخريبها بمعتقداتهم سيغير أشياء كثيرة فى خريطة الإسلام، ومع ذلك لا نطالع سوى الصمت الغريب من الجماعات الإسلامية فى هذا الجانب والتركيز فقط على قتل المسالمين والأبرياء فى الجانب الآخر.
بالطبع هذا الفكر الغريب ليس جديدا على التنظيمات الإسلاموية، بل كان منتشرا منذ البداية، ومنذ سنوات قديمة، ففى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، كانت كلمة «القدس» وتحريرها الأكثر تداولا فى الجامعات والمدارس والبيوت وحتى فى الإذاعات المدرسية، بل كانت الشعار الذى يتم من خلاله جذب العديد من الشباب، الذين كانوا يظنون أنهم بمجرد انضمامهم لهذه الجماعة الإسلامية سوف يكونوا فى اليوم الثانى على خط النار فى جيش صلاح الدين الأيوبى لمواجهة المحتلين، وبعدها بأيام قليلة سيدخلون المسجد الأقصى مهللين بنصر ربهم، يفكرون فى ذلك قبل أن يكتشفوا أن دورهم مقصور على مراقبة بنات شارعهم، خشية أن تظهر خصلة شاردة من شعرهن، وتعنيف أبناء حيهم لأنهم لا يرتدون الجلباب القصير.
لماذا لا يذهب المتطرفون لتحرير القدس؟ ما الذى يريدونه منا؟ هل يخشون اليهود هناك، أم أنهم متفقون جميعا على غاية واحدة مفادها القضاء علينا وتسليط سمومهم على أطفالنا ونسائنا؟ هل شعارهم الجديد «نحن نقتلكم.. وللبيت رب يحميه؟».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة