كانت عملية الدهس التى نفذها إسرائيلى ضد فلسطينى عند حاجز إريز عام 1987 شرارة الانتفاضة الأولى، التى استمرت لمدة 6 سنوات.. وكان اقتحام آريل شارون المسجد الأقصى شرارة الانتفاضة الثانية عام 2000، ولمدة 5 سنوات.. هناك علامات على أن قرار ترامب الجائر بالنسبة للقدس تحول إلى بداية لتظاهرات ضخمة توحد الفلسطينيين، خاصة أن قرار ترامب حرك دولًا كثيرة لرفض القرار المخالف للقوانين والقرارات الدولية، فضلًا عن أنه يكشف ازدواجية الولايات المتحدة وانحيازاتها لإسرائيل.
هناك دول فى المعسكر الأمريكى أعلنت رفضها قرار ترامب، منها بريطانيا وكندا، فضلًا عن روسيا والصين والدول العربية، وحتى داخل أمريكا فإن معارضة ترامب اعتبروها خطوة لتصعيد يفتقد العقل.
كلها خطوات يفترض أن يستفيد منها الفلسطينيون والعرب، ويمكن أن تمثل نقاط قوة لمخاطبة الشعوب الأوروبية، التى تغيب عن أغلبها حقائق الصراع، فضلًا عن أنها تتعرض للدعايات الإسرائيلية التى تصور إسرائيل كجزيرة فى وسط معادٍ، وتجيد تل أبيب لعب دور الضحية، بينما تقدم الضحايا على أنهم يهددون وجودها.
نجحت الانتفاضة الأولى والثانية، واستمرتا لأنهما كانتا سلميتين، وكانتا عمليتين متواصلتين تراكميتين، خاطبتا العالم بلغته ولغة الصورة، وعجزت إسرائيل عن اكتشاف من يقود انتفاضة الحجارة، واغتالت خليل الوزير «أبونضال» ظنًا أنه القائد، لكن الانتفاضة استمرت، بل إن منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات لعبت دورًا داعمًا للقيادة الموحدة التى ظلت سرًا، وكان هذا سببًا فى الاستمرارية والنجاح.
الانتفاضة الأولى كانت قبل الانتشار الواسع للفضائيات، ومواقع وأدوات التواصل، وهى أدوات تتوفر أكثر فى الانتفاضة الثانية، لكن كانت مشاهد الدبابات الإسرائيلية تطارد الأطفال الفلسطينيين والنساء وتكسر عظامهم وتقتلهم عاملًا فى كسب تعاطف دولى كبير، كما لعبت صورة محمد الدرة وهو يسقط برصاص الجيش الإسرائيلى دور أيقونة أثارت العالم.
وكانت أهم دروس الانتفاضة ظهور الفلسطينيين موحدين، واختفاء الفصائل والتنويعات التى ظهرت بعد ذلك، وهناك فرصة لأن يتوحد الفلسطينيون ويستغلوا المصالحة التى قطعت شوطًا بين «حماس» و«فتح»، ليبدأوا مواجهة القرارات الأمريكية والإسرائيلية.
فى هذه الحالة من الصعب أن يتجاهل العالم هذه المواجهة بين جيش احتلال ومواطنين عزل انتزعت أراضيهم، ويتعرضون لتفرقة وقتل من عدوان استيطانى عنصرى. حققت الانتفاضتان الأولى والثانية نتائج أكبر كثيرًا مما حققته عمليات السكاكين قبل عامين، التى لم تستمر سوى أشهر، وكانت الانتفاضات قادرة على إثارة الدعم العربى بصور مختلفة، بعيدًا عن التحركات الموسمية أو التظاهرات التى تسعى لاختلاق معارك فرعية داخلية، بعيدًا عن هدف دعم الانتفاضة.
لم تكن هناك عمليات تسجيل أو رصد لنتائج الانتفاضتين الأولى والثانية، اللتين أثبتتا أن المواجهة السلمية يمكن أن تكون أقوى من العمليات الفردية التى كانت إسرائيل تواجهها بعنف، وتسارع بعمليات دعاية عن قتل وهدم.
من أهم ما كتب عن الانتفاضة الفلسطينية كان كتاب الدكتور عبدالوهاب المسيرى «الانتفاضة الفلسطينية.. دراسة فى الإدراك والكرامة»، الذى ناقش فيه النماذج المعرفية والإدراكية الكامنة وراء كل من الانتفاضة والمحاولات الإسرائيلية لقمعها، وأنها كانت إبداعًا فلسطينيًا، وأن الرموز الفلسطينية، مثل الأغانى والأعلام وحتى الكوفية الفلسطينية، كانت قادرة على لعب دور فى الانتفاضة، لدرجة أن قوات الاحتلال عندما منعت رفع علم فلسطين كانوا يرفعون البطيخ، لأنه يحمل ألوان العلم الثلاثة، وكانت تثير غضب الاحتلال، بل إن المسيرى رصد تأثير انتفاضة الحجارة على نفسية قطاعات من الإسرائيليين، والهجرة العكسية، وانقسام داخل المجتمع الإسرائيلى، وظهور تيارات داخل إسرائيل مع الفلسطينيين.
بالطبع فإن إسرائيل سعت لشق الصف، وتغذية الانقسامات الدينية والفصائل بعد الانتفاضة الأولى، ومن أهم ما جرى خلال الأشهر الأخيرة كان نجاح المساعى المصرية للمصالحة، التى يمكن أن تسهم فى إعادة القضية لوهجها الذى فقدته لأسباب مختلفة، أهمها الانقسام والصراع، وتعدد الرايات والولاءات والمنصات، والفوز يأتى من إدارك عناصر القوة التى تمثلها الوحدة والإرادة والتجمع خلف راية فلسطينية واحدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة