صدر عن اللجنة الوطنية المصرية للمجلس الدولى للمتاحف وبدعم من مكتبة الإسكندرية العدد الجديد من سلسلة "كراسات متحفية" بعنوان "المتحف والمجتمع: سياسات التطوع المُتحفي"، تأليف شيماء نبوي؛ أمين متحف بمتحف الإسكندرية القومي، وزارة الآثار.
تركز الدراسة على قضية التطوع المتحفى التى تعد من أهم القضايا المطروحة فى هذا الشأن؛ فالتطوع المتحفى مثلث ذو أضلاع ثلاثة: أولها: المتطوع، وثانيها: المتحف، وثالثها: المجتمع. والاستفادة متبادلة بين أضلاع مثلث التطوع، فلا تقتصر على أحدهم دون غيره. فوجود المتطوع فى المتحف بات ضروريًّا فى وقتنا الحالي؛ وذلك لعدة أسباب، أهمها ما يتعلق بتعميق التواصل المجتمعى بين المؤسسة والفرد، ومساعدة الفرد للمؤسسة على تحقيق أهدافها وبرامجها، وتنمية مهارات الفرد وصقل قدراته وتحقيق الاستفادة العظمى منها؛ مما يترتب عليه خدمة المجتمع وتنميته والمشاركة المتبادلة بين المؤسسة والفرد فى حل المشكلات المجتمعية.
وعلى الرغم من تطور آليات وبرامج التطوع المتحفى فى متاحف العالم، فإننا نشهد فى مجتمعنا العربى غيابًا ملحوظًا لتلك الآليات والبرامج التطوعية المنظمة والمتطورة - إلا فيما ندر- الأمر الذى يحثنا على تطوير البرامج التطوعية فى متاحفنا؛ لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة المؤسسية بإسهامات المتطوعين، ولسد الفجوات العملية والعلمية إن وجدت؛ بالإضافة إلى ما للنشاط التطوعى من أهمية فى تحقيق التواصل بين المتحف والمجتمع، ومساعدة المتحف على أداء رسالته المجتمعية.
وتتناول هذه الكراسة إشكالية التطوع المُتحفى وآلياته وبرامجه المختلفة، وأهداف العمل التطوعى المُتحفى وأنماطه، والعوامل التى تسهل عملية جذب المتطوعين، وكيف يختلف فكر المتطوع عن فكر الموظف بالمتحف، والعوامل التى تؤدى إلى نجاح البرنامج التطوعى أو فشله، وآليات تنظيم وتفعيل الجهود التطوعية، والدور الذى تمارسه الهيئات المنظمة للمتطوعين، وآثار العمل التطوعى المتحفى ونتائجه على مثلث التطوع المتحفي: الفرد والمتحف والمجتمع، ودور المتطوع فى تطوير البرامج المتحفية. كذلك تتناول نماذج لبرامج التطور المتحفى فى المتاحف العالمية والعربية والمحلية على اختلاف أنواعها، ودور المتدربين فى هذه البرامج وسبل تأهيلهم لأدائها، فضلًا عن بعض الملاحظات عما يتميز به كل برنامج من تلك البرامج. ويلقى هذا العدد الضوء أيضًا على اقتراح عملى يتعلق بإدارة الجهود والبرامج التطوعية المُتحفية؛ بهدف تعظيم الاستفادة المرجوة منها المتاحف العربية، ومن ثمَّ مساعدة المتاحف على أداء رسالتها المجتمعية، وسد الحاجات العملية والعلمية بالمتحف، والمساعدة على تدريب وتطوير كوادر مُتحفية جديدة.
وتتناول المؤلفة فى الفصل الأول فلسفة العمل التطوعى فى المتاحف. ويذهب المهتمون بدراسة فلسفات العمل التطوعى إلى أن الجهد التطوعى يقوم على فلسفتين: الفلسفة الذاتية والفلسفة الموضوعية. وتتعلق الفلسفة الذاتية بالاعتبارات الذاتية التى تدفع المتطوع إلى بذل جهوده فى البرامج المختلفة وبخاصة المتحفية منها؛ فمنها ما يرتبط بالرغبة فى تحقيق الإشباع الذاتى فيما يتعلق بممارسة العمل العام، أو الرغبة فى ممارسة العمل الاجتماعي، وكذلك الرغبة فى صقل القدرات والمهارات الفردية للمتطوع من خلال البرامج التطوعية؛ فضلًا عن الحصول على خبرات علمية وعملية يضمها المتطوع إلى سيرته الذاتية؛ مما يساعده على الحصول على فرص عمل أفضل.
أما الفلسفة الموضوعية فتقوم على اعتبارات تتعلق بدرجة الوعى المجتمعى الخاص بالمتطوع، وإيمانه بالدور الذى تقوم به المتاحف فى المجتمع، ومدى انتمائه إلى مجتمعه ورغبته فى الارتقاء به، عن طريق الإسهام فى حل مشكلاته من خلال البرامج التطوعية المُتحفية المختلفة.
ويأتى ضمن أهداف المشاركة فى العمل التطوعى المتحفي: تنفيذ البرامج المتحفية بما يدعم رسالة المتحف تجاه المجتمع، اشتراك المتطوع فى وضع برامج متحفية تتفق واحتياجات المجتمع الذى يمثله المتطوع، إكساب المتطوع مهارات وخبرات تساعده فى حياته، توفير الوقت والجهد والمال المبذول فى البرامج المُتحفية، والإسهام فى المساعدة فى الجهود الرامية إلى تنمية وتطوير المؤسسات الثقافية بصفة خاصة ومؤسسات الدولة بصفة عامة، وزيادة الوعى المجتمعى لدى الفرد بقضايا تراثه، ودور المتاحف فى الحفاظ عليه.
ويتناول الفصل الثانى نماذج عملية لبرامج التطوع المتحفى فى مجموعة من المتاحف العالمية؛ ومنها: متحف التاريخ الطبيعى فى لندن، المتحف البريطاني، متحف المتروبوليتان للفنون، متحف لندن، متحف روبين للفنون، متحف فيلد، متحف الحياة والعلوم، المتحف الأسترالى بسيدني، المتحف الوطنى السعودي، متحف الأطفال بالأردن، متحف فلسطين للتاريخ الطبيعي، المتحف المصرى بالقاهرة، متاحف مكتبة الإسكندرية، متحف الإسكندرية القومي.
وتقدم المؤلفة فى الفصل الثالث مشروع تطويرى مقترح لإدارة التطوع المتحفى فى المتاحف العربية. ويستفيد المشروع من الأفكار التى تم طرحها لتمثل هيكلة أساسية لمشروع تطويرى لإدارة التطوع المتحفى فى متاحفنا العربية؛ حيث يمكننا الاستفادة من المورد التطوعى من خلال توفير فرص تطوعية تتناسب مع الفئات التطوعية المختلفة، وتتناسب أيضًا مع مدة التطوع التى يستطيع أن يلتزم بها المتطوع؛ فضلًا عن وضع برامج تتناسب مع إمكانية وجود المتطوع فى المتحف أو عدمه، كذلك يجب العمل على وضع سياسة تطوعية ملزمة للمتطوع والمتحف فى آنٍ واحد، فضلًا عن وضع امتيازات متحفية خاصة بالمتطوعين.
ويقسم المشروع البرامج التطوعية تبعًا للفئات التطوعية؛ ومنها فئة المتطوع غير المتخصص، فئة المتطوع المتخصص، فئة المتطوع الخبير، وفئة المتطوع المؤسسي. كما يمكن التقسيم وفقًا للمدة والمكان. أما بالنسبة للسياسات التطوعية، فيجب على المتحف وضع سياسات تطوعية ملزمة بالنسبة إلى المتحف والمتطوعين على حد سواء، ولا بد أن تتضمن تلك السياسات تحديد المهام والفترات التطوعية بدقة، وتحديد المؤهلات التطوعية التى تتطلبها البرامج التطوعية، التزامات المتطوع تجاه المتحف، والتزامات المتحف تجاه المتطوع.
وتؤكد المؤلفة أن نجاح البرامج التطوعية لا يتوقف على تقديمها وتنوعها فقط، وإنما يتحكم فى الأمر عدة عوامل، منها: توفير التدريب اللازم للمتطوعين، وتعظيم الاستفادة من مهارات المتطوعين بحسن توظيفها، ومنح المتطوعين الامتيازات التى تحفزهم على الاستمرار فى العمل التطوعي، وتذليل العقبات التى قد تؤثر فى مجال التطوع المتحفي.
جدير بالذكر أن سلسلة "كراسات متحفية" تهدف إلى التوعية بأساسيات العمل المتحفي، وتقديم معلومات استرشادية عن قواعد الإدارة الناجحة والإرشاد المهنى للعاملين بالمتاحف العربية لصون وتنمية ما بها من تراث وتكوين وعى مجتمعى بدور المتاحف.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة