هل كُنا نظُن يوماً أن هؤلاء رجال صدقوا ما عاهدوا عليه وأن نيتُهم السلام والأمن دون ابتذال ؟ وهل كُنا نتوقع من المُغتصبين إلا شر الأفعال ؟ وهل تفاجأنا بالقرار وقدسنا مازالت تحت الاحتلال ؟ وهل توقعنا من السارقين حسن النوايا وصدق الأعمال ؟ وهل نعجب بعد كُل ما حدثَ ويحدُث وما أصاب الضمائر من تعفن وإختلال ؟ أسئلة كُنا نعلم إجابتها مُسبقاً لكن ضعفنا وقلة حيلتنا وهواننا على الناس هو ما جعلنا اليوم فى أضعف الأحوال.
وليقف مُتحدياً العالم كُله ومُتجاهلاً كُل العهُود والمواثيق الدوليه والتحذيرات العالمية والعربية والإسلامية وبجره قلم ليُصدر الرئيس الامريكى دونالد ترامب قرارهُ الخطير أن القُدس سَتكون عاصمة لإسرائيل ليقضى بذلك على أحلام ملايين العرب عامة والفلسطينيين خاصة الذين يتمسكون بالمدينة المقدسة عاصمة لدولتهم والتى يأملون بإقامتها على حدود 1967.
ليتفاجىء دونالد ترامب بالصد والرد والنُكران من كُل حد وصوب وتنتفض الحشود الهائله وتتوحد الاراء والصفوف مسلمون ومسيحيون، عرب وغربيون، ناشطون وسياسيون، رؤساء حكومات وقادة دول، ليعبروا عن رفضهم القاطع لهذا القرار الذى يُشرعن الاحتلال الإسرائيلى ويعطيه دفعة للمضى قدماً فى سياساته الغاشمة, ويعلنونها صرخةً مدويةً أن القدس ستظل عاصمة فلسطين الابدية وإلى أخر نفس فينا.
فـالقدس قضيتنا جميعاً، ويجب أن تظهر حمية الأمة العربية بحشد شعبى يستهجن خطوات ترامب المجنونة ولابد أن تكون للشعوب كلمتها المُستهجنة بشدّة لهذا الاستفزاز فماعاصره أجدادُنا وولد عليه آباؤنا وتربينا عليه وماسَنُربى عليه أبناؤنا ويخلّد لأحفادنا هو أن القدس إسلامية عربية فلسطينية إلى أبد الآبدين .
مع العلم أن الكيان الإسرائيلى مازال يزعم أن القدس عاصمة إسرائيل ولو رجعنا بالتاريخ للوراء لسمعنا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يُصرح دائماً أن القُدس عاصمة لـ " الشعب اليهودى " منذُ ثلاثة ألف عام حتى جاء زعيمهم اليهودى الديانة والمخلص للشعب اليهودى ليُكافئهم بتلك المنحه وعلى طبق من الذهب ودون أدنى تعب .
وعندما جاء تصريح من الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مُفاده أنهُ فى حال إعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل, فإن تُركيا ستقطع علاقتها مع إسرائيل لترد الخارجية الإسرائيلية على إردغان بأن "القدس هى عاصمة الشعب اليهودى منذ 3000 عام وعاصمة إسرائيل منذ 70 عاما، سواء اعترف إردوغان بذلك أم لا ! ؟".
والحقائق التاريخية تقول عكس زعمهم هذا كما أن اليهود لم يعرفوا أنفسهم "منذ 3000 عام" على أنهم شعب خاصة وأنه على مرّ التاريخ تهوّد ملوك، مثل ملك اليمن وملك الخزر، واعتنقت شعوبهم الديانة اليهودية، من دون أن يعرفوا فلسطين، أو حتى أين تقع "أرض إسرائيل" أو أرض كنعان.
ولا يوجد فى القدس أى أثر إسرائيلى أو تاريخ, الآثار فى القدس للمسيحيين والمسلمين، والخليفة عمر بن الخطاب طرد اليهود منها وسلمها للبطريرك صفرونيوس، كما سلم مفاتيح كنيسة القيامة لصحابى مرافق وأمره بأن يفتح الكنيسة فى الصباح ويغلقها فى المساء . المفتاح لا يزال عند أسرة نسيبة المسلمة.
وأيضاً تاريخيا القدس لم تكن أبدا، ولا فى أى فترة "عاصمة للشعب اليهودى " ويؤكد ذلك مؤرخون وكتّاب يهود إسرائيليون بينهم الكاتب والمفكر والصحافى الإسرائيلى بوعاز عيفرون فى كتابه الهام " الحساب القومى ".
وما فعلته الولايات المتحدة هو ترجمة لمسار طويل من سياسات تمكين الاحتلال الصهيوني، وقد فعلت أموراً كثيرة لتكريس الاحتلال اليهودى فى فلسطين، لكنها اليوم بإعلان القدس عاصمة لـ « إسرائيل » تعلن سقوطها نهائياً من عالم الإنسانية وتعلن نفسها دولة راعية للإرهاب والاحتلال .
فـليعلنوا كما يشاؤون ويزعمون، فـالقدس هى بيتُنا والتاريخ والزيتون والأغانى والشعر والبنون، والزيت والخبز وضحكات الأطفال والسكون، وابتسامات النساء، وأمانى الرجال وأهازيج الأعراس والصلوات فى المساجد والتراتيل فى الكنائس كُلها تحكى عن القدس منارة البلاد، القدس عاصمة فلسطين .
وما هو مؤكد وحقيقى أن القدس لن تكون عاصمة لـ «إسرائيل»، ما دام هُناك شعبٌ يقاوم الاحتلال ويبذل الدماء والتضحيات حتى تبقى القدس زهرة المدائن وعاصمة فلسطين المحرّرة من النهر إلى البحر .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة