كنا نأمل أن يتوج الرئيس الروسى، فيلاديمير بوتين، زيارته للقاهرة، أمس الأول الاثنين، بإعلان عودة السياحة الروسية إلى مصر، بدلا من أن يردد نفس ما يقوله المسؤولون الروس منذ عدة أشهر دون أى جديد، فنحن لا ننتظر رسائل إشادة من الجانب الروسى حول تأمين مطاراتنا، بل نقول لهم حان الوقت للفعل وليس القول، فقد مللنا من تصريحاتهم الوردية التى لا نجد لها أى مردود على أرض الواقع، فعلى الروس أن يقولوها صراحة: هل سيعيدوا السياحة الروسية لمصر أم لا؟
بوتين فى المؤتمر الصحفى المشترك مع الرئيس عبدالفتاح السيسى قال: إن الجانب المصرى بذل جهودا جبارة لرفع مستوى الأمن فى مطاراته، مضيفا: «ناقشنا الخطوات المشتركة لاستئناف الطيران المباشر بين البلدين، وقدم الأمن الفيدرالى الروسى ما يفيد بأن الجانب الروسى مستعد لفتح خط الطيران بين موسكو والقاهرة، وسيتم التوقيع قريبا على بروتوكول حكومى فى هذا الشأن»، لكنه لم يقل متى يحدث ذلك، خاصة ونحن أمام تأكيد رسمى من الأمن الروسى بأن الأوضاع والأجواء مهيأة لفتح خط الطيران، فلماذا التأخير، وهل قريبا هذه تعنى أياما أم شهورا أم ماذا؟
نحن فى مصر نؤمن بأهمية واستراتيجية العلاقة مع روسيا، التى وقفت معنا بعد ثورة 30 يونيو، ولدينا حرص كما قال الرئيس السيسى على تطوير أوجه التعاون المشترك على مختلف الأصعدة، خاصة مشروع إنشاء محطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية، فضلاً عن المشروعات المشتركة الأخرى، ومن بينها مشروع إنشاء المنطقة الصناعية الروسية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وغيرها من المشروعات الجارى دراستها، تمهيداً للبدء فى تنفيذها، آخذا فى الاعتبار تنامى معدلات التبادل التجارى بين البلدين ليتجاوز حجمه 4 مليارات دولار، لكن نحن أيضا نريد تجاوز الماضى بكل ما يحمله من مآسى أو أزمات اعترت العلاقة بين البلدين، وأعتقد أن مسألة السياحة الروسية تعد أكبر أزمة واجهت البلدين، فى أعقاب سقوط الطائرة الروسية قبل عامين، وكنا نأمل فى أن يكون الروس أسرع فى التجاوب مع الاحتياطات التى أخذت بها مصر فى موضوع تأمين المطارات، لكن للأسف الشديد نواجه مماطلة روسية لا مبرر لها، وكأن للموضوع أبعادا أخرى تتجاوز فكرة التأمين، التى تجاوزناها منذ عدة أشهر، حينما قالت الوفود الروسية التى زارت مطارات مصر خلوها من آية ملاحظات، كما أن كل المنظمات الدولية المعنية بتأمين المطارات منحت مطارات مصر درجة ممتازة، كونها شهدت تطورا فى عمليات التأمين، علما بأن مطارات أوروبية شهدت العديد من الثغرات الأمنية الفادحة، ولكنها أبدا لم يتم التعامل معها كما تعاملت روسيا ودول أوروبية مع مصر.
هناك مباحثات تجرى الآن بين القاهرة وموسكو لإنشاء منطقة صناعية روسية فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وكذلك إنشاء منطقة لوجستية للصادرات المصرية فى روسيا، حيث قام الرئيسان السيسى وبوتين بتكليف الجهات المعنية فى البلدين بمواصلة العمل الحثيث فى هذا الإطار، وتذليل أية عقبات تواجه الانتهاء من المشروعات المشتركة بين الجانبين، كما شهد الرئيسان التوقيع على وثيقة بدء إشارة تنفيذ محطة الضبعة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية، وبالتأكيد فإن هذه المشروعات لم يكن من المتوقع البدء بها إلا حينما تأكد الجانب الروسى من مستوى الأمان المتوافر فى الدولة المصرية حاليا، كما أن الكثير من الأسر الروسية تعيش بيننا فى مصر، ولم نسمع منهم أى شكوى تتعلق بأمنهم، وكل ذلك يبعث برسائل طمأنة للروس بأن مصر آمنة، فلماذا الخوف من إعادة السياحة الروسية ؟!
ولا ننسى أن مصر تأهلت رسميا لكأس العالم التى تستضيفها روسيا الصيف المقبل، وأوقعت القرعة مصر وروسيا ومعهما السعودية وأورجواى فى مجموعة واحدة، وهو ما يعنى أن آلاف المصريين سيتوجهون إلى روسيا لمؤازرة منتخبنا فى مبارياته الثلاث، أليست هذه مناسبة كافية للروس بأن يعيدوا خط الطيران المباشر حتى يستطيع الجمهور المصرى السفر إلى روسيا دون عناء؟
كلها أسئلة تحتاج إلى إجابات واضحة وشفافة من الجانب الروسى، الذى نكن له كل تقدير واحترام لما قدموه لمصر من تعاون فى كل المجالات، لكن فى نفس الوقت لم نكن نتوقع أن تصل المماطلة الروسية إلى هذه الدرجة غير المقبولة وغير المبررة أيضا، خاصة أن المسؤولين الروس يدركون جيدا أن مصر وفرت كل المعايير الأمنية الدولية فى مطاراتها، وتنتظر فقط القرار الروسى، الذى سيمثل نقطة انطلاق مهمة لدول أخرى لكى تراجع قراراتها الخاصة بإيفاد سياحتها إلى مصر، مثل بريطانيا التى تتعلل حاليا بأنها تنتظر القرار الروسى، فالكل ينتظر روسيا، فهل يفعلها الدب الروسى؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة