منذ أيام قليلة مرت الذكرى الـ106 على ميلاد الكاتب العالمى نجيب محفوظ، ويومها قلنا فى الرجل بعض ما يستحق، وبالتالى سنصمت عنه تماما حتى ذكرى الرحيل فى نهاية أغسطس، ولن نحكى عنه إلا لو هبت علينا أحزان جديدة تتعلق بصاحب نوبل.
وعن نفسى أرى أن أحزان نجيب محفوظ صارت كثيرة، منها أن يخرج علينا جاهل بأدب نجيب محفوظ، فلا يرى فيما فعله عملاق الرواية العربية سوى «كلام» لا يقدم ولا يؤخر، بل قد يذهب البعض إلى أنه يؤخر، وعادة ما يكون هذا الشخص الكاره يجلس تحت قبة برلمان أو أمام كاميرا تليفزيونية.
هذا النوع من الحزن انتشر مؤخرا بشكل كبير، وهو عادة يأتى بطريقتن، لا يختلفان كثيرا فى النتيجة، النوع الأول هو أن البعض يندفع وراء أفكاره ولا يطرحها للنقاش، وهؤلاء أزمتنا معهم أكبر من الاختلاف حول قيمة نجيب محفوظ، فعادة ما يكونون مسئولين عن التفكير لحياتنا المعاشة، وهذا النموذج دل عليه النائب البرلمانى «أبو المعاطى مصطفى» الذى ذهب إلى أنه «لو كان نجيب محفوظ حيا لدخل السجن بتهمة خدش الحياء»، والنوع الثانى وهو خطير أيضا، وهم من يضعون أنفسهم فى زمرة المثقفين ثم يحاكمون نجيب محفوظ باتهامات غريبة منها الابتعاد عن النزعة العربية وقلة الوعظ الدينى الإسلامى فى رواياته، ويصدرون آراءهم لنا فى البرامج والكتب والحوارات والمقالات التى لا نفع منها ولا طائل، وكان نموذجهم الأخير هو الباحث فى علم المصريات بسام الشماع.
أحزان أخرى تنتظر نجيب محفوظ منها ما يتعلق بمتحفه الذى تمت الموافقة عليه منذ أكثر من 10 سنوات، وبالتحديد فى عام 2006 بعدما طالب المثقفون بتخصيص متحف لنجيب محفوظ وهو ما وافق عليه فاروق حسنى وزير الثقافة فى ذلك الوقت، وتم اختيار تكية أبو الدهب الأثرية لتكون مقرا لمقتنيات صاحب نوبل الشخصية وما كتب عنه وما دار حوله، لكن مؤخرا وبعد هذه السنوات الطويلة التى كان لها من الممكن أن تقيم صرحا وليس متحفا، قام زملائى بزيارة الوكالة وهناك اكتشفوا أن أمامنا وقتا طويلا حتى نشاهد المتحف مكتملا كما نحب وكما يليق بأهم روائى عربى حتى الآن. وحتى لو تم افتتاح جزئى للمتحف فإن ذلك سيثير لدينا الأحزان أكثر مما يتوقع المسؤولون.
ومن أحزان نجب محفوظ أيضا، عدم وجود طبعة شعبية لرواياته، حتى يتمكن طلبة الجامعات والمثقفين من قراءة نجيب محفوظ بشكل دائم وكامل لأنه للأسف أصبح لدينا جيل لا يعرف عن محفوظ سوى المعالجات الدرامية لأعماله، وأتمنى من الجهات المسئولة عن نشر أعمال نجيب محفوظ أن تراعى ذلك.
ما أريد قوله إنه حتى الآن ليس لدينا سوى نجيب محفوظ واحد، لذا لا نملك رفاهية التقليل منه أو الهجوم عليه بهذه الطريقة العشوائية، لأنه صار مشروعا أدبيا مكتملا، حقق ما لم يحققه أحد حتى الآن، فصنع لنا تاريخا وجعلنا فى الريادة، لذا علينا أن نقلل أحزانه وأحزاننا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة