فى أوسط القرن التاسع عشر، نادت البشرية فى صرخة عفوية حادة تقول "النظام الطبيعى" والعودة إلى أصل وطبيعة الأشياء، فطالما مجد "روسو" للحياة السلمية الفاضلة عند سكان الحقول حيث كان الطبيعيون، وتسير الأمور فيه وفقاً لناموسها وقوانينها العفوية الطبيعية، وقد رفعوا شعار "جون باتيست سى" (دعوه يمر).
وكان الفيزوقراطيون الطبيعيون أول من ألقى الأضواء على كيفية توزيع الثروات بين الطبقات العاملة المنتجة (أى مجتمع المنتجين فقط) فى أمة من الأمم، كما أن "كيسنى" و"تيرغو" كانا أول من رسم الملامح الأولى لتقسيم طبيعى للمجتمع إلى عدة طبقات، وكان أهم تقسيم لهم ذلك الذى يستند إلى زراعة الأرض، وكان بذلك الطبيعيون هم أول من أدخلوا كلمة "طبقة" فى قاموس اللغة الاقتصادية على الإطلاق، ومن هنا بدأ العالم وكل الأبحاث الاقتصادية والتجارية والاجتماعية تدخل فى حساباتها التقسيمات المجتمعية والطبقات المختلفة لتحدد الفئات المستهدفة من كل بحث أو دراسة.
ومع انتشار هذا المذهب ظهرت أول نتائج انهيار فكرة التنظيم الحكومى، وتدخل الدولة فى الاقتصاد، وبالتالى فى النظام الاجتماعى، وبالتالى لا دخل للدولة فى تحقيق العدالة الاجتماعية من قريب أو بعيد.
حيث تترك الأمور الاقتصادية والاجتماعية على طبيعتها، وتبرير الفوارق الاجتماعية وعدم المساواة، لأن هذه الفوارق أن هى كما يرى (الفيزيوقراطيون الطبيعون) إلا نتيجة حتمية لقوانين الطبيعة التى قد لا يدركها العقل، وبالتالى لا يقرها لأنه محدود العلم والفهم بتركيب الكون، إلا أن أصحاب هذا المذهب اعترفوا بوجود حقوق طبيعية مغايرة للحقوق الوضعية التى اصطلح عليها البشر.
وانتهى الفيزيوقراطيون إلى أن النطاق الطبيعى هو الذى يحدد للإنسان ما له وما عليه من حقوق وواجبات، أما القوانين الوضعية فما هى إلا تفسير وتبرير للقوانين الطبيعية. وضربوا مثلا من الحقوق الطبيعية للبشر: حق التملك والعمل والأمن والحرية، ثم جاء من بعدهم المذهب الليبرالى الحر ليؤكد هذا، وهو ما سوف نعرضه فى مقال قادم إن شاء الله.
• أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة