تحولنا هذه الأيام، وبالتحديد منذ ثورة يناير 2011، إلى آلات بشرية تتلقى المعلومات عن طريق الـ«فيس بوك» والـ«واتس آب»، وغيرهما من وسائل التواصل الاجتماعى.. نصحو عليها، وآخر ما نراه قبل أن نغمض أعيننا التليفون المحمول أو اللاب توب أو الآى باد، كل هذه الأجهزة التى خلقت منا أجيالًا صامتة قاتمة منساقة فى طريق مجهول.
فهذه التى تسمى وسائل التواصل الاجتماعى، تملك قدرات خارقة، فهى تقيم ثورات، وتسقط دولًا، وتنشر شائعات ما أنزل بها من سلطان.. وتتناقل أخبارًا، بعضها صحيح مع قليل من التضخيم، وكثير منها كاذب.
تحولنا- وأقصد هنا منطقتنا العربية- إلى مجرد كائنات صامتة، لا تقرأ كتابًا، ولا تأخذ أخبارنا من مصادرها الموثوق فيها.
وهذا الأمر لا ينطبق على الآخرين دونى، فأنا أنتمى إلى ذلك المجتمع التواصلى الكبير.. أصدق بعض الأكاذيب، وفى أحيان كثيرة أبحث عن الحقيقة باعتبارى صحفية، وعملى هو البحث عن الحقيقة، ولكن الحقائق كثيرًا ما تسبب الضيق، ولا يميل لتصديقها الكثيرون.
وحديثى هذا لا يعنى أن وسائل التواصل الاجتماعى ليس لها إيجابيات، فهى قربت البعيد، وساعدت الجميع أن يكونوا كأنهم فى بلد واحد، وفى مجتمع واحد.
والحقيقة فى رأيى البسيط أن هذه الوسائل، بما تحمله من سرعة الانتقال والتنقل والاتصال والتواصل، إنما تحتاج إلى شعوب على قدر من الثقافة والتعلم، حتى تستطيع التمييز بين الخبيث والطيب، وبين البخس والغالى.. وهذا الأمر ليس متوفرًا فى كثير من منطقتنا التى نعيش فيها.
وما جعلنى أتحدث عن خطورة هذه الوسائل عندما تتواصل بين عقول لا تفكر، وأناس لا تعرف الألف من «كوز الدرة»..
تلك الشائعات المغرضة التى تتناقلها رسائل الـ«واتس آب» عن هاجس وتهديد قد يحدث فى وقت ليس ببعيد، عن وقوع جزء غال من أرضنا سيناء فى يد الاحتلال الإسرائيلى، لتحويلها لبلد بديل للفلسطينيين..
ربما ما يدور فى هذه الرسائل قد يصدقه الكثير، وأنا فى البداية صدقته، لكن مع الإمعان فى العبارات، رغم أنها تحمل حقًا يراد به باطل.
فلا يوجد فى هذا البلد من يقبل التفريط فى شبر واحد من أرضنا، ولا تحت أى منطق، ولن يحدث أن يُهزم جيش الأبطال.. جيش مصر الذى شهد له الأنبياء والتابعون، ذلك الجيش الذى لم تنعقد عزيمته إلا لصون أرض مصر الغالية مهما تآمر المتآمرون وكاد الكائدون.
مصر التى خاضت أشرس الحروب من أجل عودة أراضيها، هل من المعقول أن تفرط فيها؟
فلن يكون حل القضية الفلسطينية، وإقامة دولتهم على حساب «شبر واحد» من أرضنا المصرية..
وأنا أرى مجرد طرح هذه الشائعة هى حق يراد به باطل، فذوو النفوس الضعيفة، وهم كثر، قد يتوهمون بأن الاحتلال قد اقترب والجيش المصرى الباقى بكامل عدته وعتاده سوف يقضى عليه..
أرجوكم أعملوا عقولكم.. وثقوا فى جيشكم.. وليكن لديكم كل اليقين فى أن نصر الله قريب.. وأن ما يفعله رجال الجيش والشرطة فى محاربة الإرهاب لم تقدر عليه أكبر الدول وأكثرها تقدمًا..
ومهما كلف رجالنا من القوات المسلحة من أرواح، ومهما كلف الدولة من مال وتسليح، فسوف تظل مصر لهذا الإرهاب بالمرصاد..
وإذا كانت إسرائيل هى العدو الأول للمصريين والعرب جميعًا، فالولايات المتحدة الأمريكية هى الراعى الأول للإرهاب، بلسان قادتها وعملائها ومذكراتها وشهادات السابقين، فلا تنتظروا منها أن تكون شريكًا فى مواجهه الإرهاب، فكيف من يمسك البندقية ليقتل ويسرق الأرواح يدافع عن الحريات والحقوق؟!
تعلموا كيف تواجهون الزيف الأمريكى بحيل دبلوماسية، ومثلما استخدم الأمريكيون، ممن اخترعوا كل أشكال وسائل التواصل الاجتماعى، سلاحًا فتاكًا ليفتك بعقولنا، ويوجه أفكارنا، ويجعلنا نغرق فى طائفية وعرقية بلا نهاية.. حاربوهم بوسائلهم، فالنصر لمن يعمل العقل، وكما هو متعارف عليه «الحرب خدعة».. اخدعوهم فهم يستحقون.