التفكير الأمريكى منصب حالياً على مواجهة إيران بأى طريقة، حتى لو وصل الأمر إلى إمكانية التدخل العسكرى المحدود، لكنهم فى البداية يحاولون استنفاذ كل الطرق الدبلوماسية التى من شأنها تكثيف الضغوط على طهران، وكلنا نعلم أن هذه التحركات الأمريكية تواجه رفضا أوروبيا، وأيضاً هناك مؤسسات داخل واشنطن لديها تحفظ على آراء دونالد ترامب تجاه طهران، وتطالبه باحترام الاتفاق النووى الذى وقعت عليه الدول الست الكبرى، «الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا»، مع إيران، الذى أنهى حقبة من الخلافات حول الملف النووى الإيرانى الذى كاد أن يتسبب فى صدام عسكرى.
بكل تأكيد، ترامب يعتبر أن القضية الإيرانية هى التى يستطيع من خلالها جمع الكثير من الأنصار حوله، سواء من جانب إسرائيل، أو دول الخليج التى لديها تحفظات مشروعة على خطط إيران التوسعية فى المنطقة، والتى تهدد الأمن القومى لدول الخليج وللمنطقة بشكل عام، لكن فى المقابل، فإن هذه الدول لديها تحفظ أيضاً على أى اتجاه لاستخدام الحل العسكرى، لأنه سيزيد الأوضاع صعوبة، ولن يحقق ما تربو له هذه الدول، بل ربما يكون هذا الحل إذا تم اللجوء له محفزاً لطهران، لكى توجه ضربات مباشرة باتجاه دول الخليج، عكس ما تعتمده من استراتيجية حالية تقوم على استخدام أذرعها لإثارة المشاكل فى الخليج، مثلما تفعل عبر الحوثيين فى اليمن، وجماعات شيعية فى البحرين مرتبطة سياسياً بطهران، أو حتى عبر تحالفها مع إمارة قطر لإثارة المشاكل والأزمات فى المنطقة.
أمام هذا الوضع المعقد، يمكن تفهم الطرح الأمريكى الجديد، الذى أعلنت عنه السفيرة الأمريكية فى الأمم المتحدة، نيكى هايلى، أن واشنطن تسعى لتشكيل تحالف دولى لمواجهة خطر إيران، مستندة فى ذلك إلى ما تقوم به طهران ضد السعودية، حيث أشارت هايلى إلى أن الصاروخ الذى أطلقه الحوثيين على العاصمة السعودية الرياض «من صنع إيرانى»، فى إشارة إلى الصاروخ الذى استهدف مطار الملك خالد الشهر الماضى، وقالت فى مؤتمر صحفى، أمس الأول الخميس: «لقد صنع فى إيران ثم أرسل إلى الحوثيين فى اليمن، ومن هناك، أطلق على مطار مدنى، حيث كان يمكن أن يسفر عن مقتل مئات من المدنيين الأبرياء فى السعودية»، وتابعت، «أنواع مختلفة من الأسلحة الإيرانية استخدمت ضد شركائنا مثل السعودية والإمارات»، موضحة أن «بعض الأدلة زودتنا بها السعودية والبعض الآخر من حلفائنا»، وأضافت، أن وزير الدفاع الأمريكى جيمس ماتيس «قام بعمل مذهل لجمع هذه الأدلة بمعاونة دول حليفة وشريكة».
المندوبة الأمريكية فى الأمم المتحدة قالت: إن سلوك إيران فى الشرق الأوسط يزداد سوءا، ويؤجج الصراعات فى المنطقة»، داعية «الدول الأخرى وأعضاء الكونجرس لمشاهدة الأدلة على أفعال إيران»، مشددة على ضرورة مواجهة التهديد الإيرانى للعالم.
ما قالته المندوب الأمريكية يؤكد أن إدارة ترامب تفكر فى اتجاه آخر وهو تكثيف الجهود الدولية لمواجهة إيران فى تكتل واحد، شبيه بالتحالف الذى أسسته الولايات المتحدة قبل عامين للتصدى لخطر تنظيم داعش الإرهابى فى العراق وسوريا، لكن الوضع الآن مختلف، فهناك كما سبق وقلت دول لا تنظر لإيران باعتبارها تمثل خطرا كبيرا، وإنما تتعامل مع إيران على أنها تجاوزت فى بعض التصرفات لكنها لم تصل إلى درجة الخطر، وهو المأزق الذى يحاول ترامب مواجهته للتغلب عليه، وربما يكون استناد هايلى فى مؤتمرها الصحفى للصاروخ الذى وقع فى الرياض الشهر الماضى، هدفه زيادة الضغط على الدول التى لاتزال ترفض أى حل عسكرى، بل تطالب بتخفيف الضغوط والعقوبات عن طهران حتى يمكن فتح حوار معها فى كل القضايا.
إدارة ترامب تتحرك حالياً على عدة مسارات، فيما يتعلق بالتعامل مع إيران، أحدها كما قلت مرتبط بالتحالف الذى تسعى لتشكيله حالياً، وهناك تحركات فى الداخل الأمريكى من خلال زيادة العقوبات المفروضة على شخصيات إيرانية، والتى كان آخرها موافقة مجلس النواب على مشروع قرار يلزم وزارة الخزانة الأمريكية بأن تنشر قائمة من أصول وأموال القادة الإيرانيين، وعلى رأسهم المرشد على خامنئى، وسط دعوات برلمانية عن كيفية إنفاق هذه الثروات على دعم ونشر الإرهاب، ووفقاً لما قالته وكالة «أسوشييتد برس» فإنه خلال جلسة مجلس النواب الأمريكى الأربعاء الماضى، تمت الموافقة على قانون «إتش آر 1638» والمعنون بـ«شفافية أموال وممتلكات قادة إيران» بغالبية 289 صوتا موافقا مقابل 135 صوتا مخالفا، حيث ينبغى أن يوافق مجلس الشيوخ أيضا على مشروع القرار ليصبح قانونا بعد توقيع رئيس الولايات المتحدة عليه، وهو القانون الذى قال عنه بروس بولينك النائب الجمهورى: «إن حوالى 70 مسؤولا إيرانيا اكتسبوا الكثير من الثروة الشخصية، كما أنهم يستخدمون هذه الثروة لدعم الميليشيات والجماعات الإرهابية التى تضر بمصالحنا، ومن حق المواطنين الإيرانيين وكل شعوب العالم أن يعرفوا حجم ثروات الرعاة الرئيسيين للإرهاب والأهداف التى ينفقون هذه الأموال حولها».
السؤال الذى يطرح نفسه الآن، هل سينجح ترامب فى مساعيه لتطويق إيران، أم أنه سيفشل بسبب تصرفاته الأخرى التى أدت إلى تراجع فى بعض التأييد الدولى له، عقب قراراه الأخير بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية فى إسرائيل إليها؟ أعتقد أن الأمر يحتاج لكثير من الوقت لنعرف الحقيقة، خاصة أن المواقف الدولية غالباً ما تشهد تغيرات فجائية مرتبطة أساساً بأين توجد المصلحة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة