كتاب صغير لكنه مكثف فى معناه ودلالاته، يبحث ويناقش من منظور نقدى المواطنة فى التعليم على مستوى المعنى والقيم والأهداف والممارسات، التى يجب أن نلتزم بها فى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا.. مرحلة نحارب فيها الإرهاب من خلال التعليم والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، المعنى أن المواطنة موضوع بالغ الأهمية يرتبط بهموم وتحديات الواقع، وبمصير الأجيال القادمة، أى المستقبل.
موضوع بهذه الأهمية يتقاطع مع اهتمامات علماء ورجال التربية والتعليم والسياسة، ويحتاج لباحث ومفكر بوزن د.شبل بدران حتى يستطيع أن يناقشه فى عمق، ومن خلال منظور تكاملى، فالرجل أحد أهم أساتذة أصول التربية فى مصر والوطن العربى، وصاحب تجربة كبيرة فى التعامل النقدى مع مناهج التربية والتعليم، والثقافة وإشكالياتها، والأهم أنه صاحب رؤية عبر عنها فى أكثر من 48 بحثًا و43 كتابًا، ويلخص بدران رؤيته فى أن التعليم ليست عملية محايدة، وإنما أداة ووسيلة لتحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص فى المجتمع، كما أن التعليم وسيلة لتكوين الشخصية الوطنية التى تمتلك الوعى والقدرة على النقد والإبداع.
صدر الكتاب عن سلسلة الدراسات السياسية والاستراتيجية التى تصدرها الهيئة العامة للكتاب، وجاء فى أربعة فصول، ناقش الأول المواطنة والمواطنية، المعنى والدلالات من منظور فلسفى وتاريخى، وامتد حتى ناقش علاقة المواطنة بالعولمة، حيث يشير بدران إلى أن الطهطاوى هو أول مفكر عربى يكتب عن الوطنية والمواطنة، فحب الوطن عنده هو من الإيمان ومن طبائع الأحرار، لذلك ناشد الطهطاوى المربين أن يغرسوا الوطنية فى نفوس طلابهم، وبالطبع تطور المفهوم فى مصر والعالم واكتسب مؤشرات عديدة، منها، أن المواطنة تعنى سيادة الشعب والحرية، ونبذ التعصب والكراهية والإقصاء، واتفق الفكر العالمى على أن المواطنة تقوم على عنصرين أساسيين هما المشاركة الفعالة فى الحكم وإدارته، والمساواة بين جميع المواطنين أمام القانون وفى الحقوق والواجبات.
والمواطنة بهذا المعنى ليست مجموعة من المفاهيم النظرية المجردة، وإنما هى عملية وممارسة فعلية فى أرض الواقع، إنها محصلة عمل يشمل التربية الرسمية فى المدرسة، والتربية غير الرسمية من خلال الأسرة والأصدقاء وما يقدمه الإعلام، علاوة على المناخ العام، القصد أن الوطنية هى عبارة عن تعلم وممارسة.
وفى الفصل الثانى يناقش الكتاب العلاقة بين التربية والمواطنة وعلاقة ذلك بديمقراطية النظام التعليمى وديمقراطية المجتمع ككل، ويؤكد د.شبل بدران، أن التربية والتعليم هى أحد أجهزة الدولة الأيديولوجية التى تستخدمها إلى جانب الإعلام والشرطة والجيش فى فرض هيمنتها الناعمة أو الخشنة بتعبير غرامشى.
فى هذا السياق يطرح الكتاب إشكالية عدم المساواة فى النظام التعليمى المصرى، فهناك تعليم عام وخاص واستثمارى ولغات، ما يعنى عدم تكافؤ الفرص التعليمية، حيث أصبح من يملك المال يستطيع أن يوفر لأولاده خدمة تعليمية أيسر وربما أفضل، وأعتقد شخصيًا أن تعدد وتنوع أنماط التعليم فى مصر لا يهدد فقط العدالة، وإنما يهدد أيضًا سلطة الدولة وقدرتها على فرض الهيمنة الناعمة ونشر قيم موحدة للمواطنة والهوية الوطنية، وأظن أيضًا أن التعليم الخاص أو المدارس الأجنبية لا يضمن بالضرورة تعليمًا أفضل فما زالت نسبة المتفوقين فى الثانوية العامة أو غيرها من الشهادات الدولية محدودة للغاية مقارنة بأعداد تلاميذ المدارس الخاصة والأجنبية، وما زال معظم المتفوقين فى الثانوية العامة من تلاميذ المدارس الحكومية. صحيح أن خريجى مدارس اللغات أفضل فى تعلم لغة أجنبية ما «الإنجليزية غالبًا»، لكن طلاب المدارس الحكومية يتمكنون من إجادة الإنجليزية عند تخرجهم من كليات القمة كالطب والهندسة والعلوم السياسية والإعلام.
ويحلل الفصل الثالث محتوى الكتب الدراسية المقررة على طلاب المرحلة الثانوية عام 2013-2014، ويخلص د. بدران إلى أن هناك قصورًا شديدًا فى تقديم موضوعات وقضايا المواطنة فى مناهجنا التعليمية، وبالتالى فهناك أسئلة مهمة حول من يصنع المناهج الدراسية؟، وكيف تُصنَع؟ وكيف تُدرّس، ولماذا يقتصر الأمر على الحفظ والتلقين والتذكّر؟ ولماذا لا يتم الربط بين ما يتم تدريسه وبين الأنشطة والفعاليات التى تدعم وتكرس مفاهيم وقيم المواطنة.
ويطرح الفصل الرابع والأخير عددًا من المقاربات المنهجية ووجهات النظر النقدية، تتعلق بكيفية تطوير المواطنة والهوية فى مناهج التربية والتعليم، حيث يشير د. شبل بدران إلى تواضع قيم الحرية والعدالة فى مقررات التعليم الثانوى، وإلى وجود أجزاء كبيرة فى هذه المقررات تروج لوجهة النظر الإسلاموية الخاصة بجماعة الإخوان.
وأتصور أن هذا الاستنتاج الخطير يحتاج إلى مراجعة، فى ضوء ما يقال عن إجراء الوزارة تعديلات على مناهج 2013-2014، وبالتالى فأغلب الظن أن مقررات العام الحالى مختلفة، وهو ما أتمنى أن يتحقق منه د. شبل بدران أو أحد تلامذته فى الدراسات العليا، بمعنى هل تمت مراجعة مقررات التعليم فى المراحل المختلفة لتنقيتها من التأثيرات الإخوانية أم لا، خاصة أن الإخوان تمكنوا قبل ثورة 30 يونيو من اختراق وزارة التربية والتعليم، وبثوا بشكل معلن أو بشكل ضمنى وغير مباشر أفكارهم القاصرة عن الهوية والوطنية، والأخطر رؤيتهم الغريبة لتاريخ مصر.
كذلك أتمنى الأخذ ببعض توصيات وأفكار د. شبل بدران بشأن تطوير قيم ومفاهيم الوطنية والانتماء فى مقرراتنا التعليمية، بحيث تربط بين المدرسة والواقع، أو كما يقول «أن الطلاب فى حاجة إلى تنمية مهارات المواطنة لديهم من خلال التدريبات العملية والأنشطة اللاصفية، والمشاركة فى صنع القرار فى المدرسة، والانخراط فى نشاطات سياسية واجتماعية خارج جدران المدرسة»، فهل هذا ممكن أو متاح.. أتمنى أن نأخذ ببعض ما يطرحه أو يتمناه د. شبل بدران الباحث الحالم مثلى بغد أفضل، وحياة أكثر أنسنة، وعدلاً وحرية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة