فتحت قضية قرية الروضة فى بئر العبد بشمال سيناء، جراحًا غائرة فى قلب مصر وأمور شائكة لم يكن هناك انتباه كافى إليها من قبل، فجاء الحادث الإرهابى الفاجع الذى تعرضت له القرية بمثابة جرس إنذار لوجود قرى فقيرة فى مصر يضيق بأهلها سبل الرزق، لأن مشروعات التنمية التى تخلق فرص ظلت بعيدة عنها لسنوات طويلة.
والأهم هو أنه لا يجب انتظار أن تتعرض إحدى القرى أو بؤر الفقر إلى كارثة مروعة حتى يهرع المسئولين إليها من وزراء ومحافظين لإعلان مشروعات الاستثمار، بل ورجال الأعمال أيضًا الذين يملكون رؤوس الأموال، ولكن فى قضية الروضة برز مثال رائع لأحد رجال الأعمال الذى أعلن تكفله بصرف 5 آلاف جنيها شهريا لكل أسرة لمدة 5 سنوات، وهى فترة كافية لأن تظهر نتائج المشروعات التى أعلنت عنها الحكومة لإطلاقها بالمنطقة، فهل يمكن أن يتكرر هذا المثال.
من المتعارف عليه أن نسبة الفقر فى مصر مرتفعة بلغت 27.9% عام 2015، طبقا لأحدث بحث للدخل والإنفاق، وهو ما أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، والذى يتم إجراؤه كل عامين لقياس خط الفقر وعدد الفقراء وخصائص الأسر المصرية من حيث الدخل والإنفاق والاستهلاك.
هذه النسبة تعنى أن عدد الفقراء فى مصر يصل تقريبا إلى 30 مليون فرد، مع مراعاة أنه تم قياسها قبل التعويم أى أنه من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة كثيرًا مع ارتفاع الأسعار، وهو ما سيظهر فى نتائج البحث الجديد الذى يجريه جهاز الإحصاء.
ويقدر خط الفقر فى مصر للأسرة المكونة من 5 أفراد بحوالى 2410 جنيها شهريا، وهو ما يعنى أن الأسرة التى يقل دخلها السنوى عن 28920 جنيها، تقع تحت خط الفقر.
وإذا نظرنا إلى القرى فمصر بها حوالى 4065 قرية موزعة بأنحاء الجمهورية، منها 2496 قرية تعيش فى فقر مدقع، ويعرف جهاز الإحصاء الفقر المدقع بأنه عدم القدرة على توفير الاحتياجات الأساسية من الغذاء.
أى أنه إذا أردنا تطبيق المثال السابق لرجل الأعمال فى بئر العبد، فنحن فى حاجة إلى 2496 رجل أعمال مصرى يمكنه التكفل بالإنفاق على الأسر الفقيرة فى كل قرية وبالطبع ستتوقع التكلفة على عدد الأسر الموجود بكل قرية، وقد يتحول هذا التكفل إلى تنفيذ مشروعات تنموية أو بنية أساسية، تحسن من ظروف الحياة بهذه القرى، فهل لدينا هذا العدد من رجال الأعمال القادرين ماديا؟.
نتائج بحث الدخل والإنفاق الأخير الذى أعلنه جهاز الإحصاء تشير إلى أن 15% من المصريين أغنياء أى ما يعنى أن عدد الأغنياء يزيد عن 13 مليون مصرى، إذا اعتبرنا أن 10% فقط منهم هم الأكثر قدرة على تبنى مثل هذه المشروعات، فهذا يعنى أن لدينا ما يقرب من مليون ونصف غنى فى مصر هم الأكثر غنى وثروة، فهل يصعب أن يتكفل جزء من هؤلاء بتنمية وتطوير 2496 قرية؟.
الأكثر من ذلك أن تقريرًا أصدرته مؤسسة "افراسيا بنك" المالية فى أبريل الماضى بعنوان "ثروة العالم الجديد" أن مدينة القاهرة تعد ثانى أكبر المدن الإفريقية من حيث عدد "المليونيرات" بحوالى 8900 مليونير، ويصل عدد المليونيرات فى مصر إلى 18 ألف و100 مليونير، منهم 950 "مالتى مليونير". أى بحسبة بسيطة فإن كل 7 مليونيرات يقابلهم قرية فقيرة فى مصر، فهل يصعب على هؤلاء مساعدة ألفى قرية فقيرة دون أن تتعرض إلى كوارث تجذب الأنظار؟.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة