لا تزال قصص الإهمال الطبى هى الأكثر انتشارا فى صفحات الحوادث والبرامج التليفزيونية، يوميا تصل إلينا حالات كثيرة بالوفاة الخطأ أو العاهات المستديمة بسبب العمليات الجراحية أو تقصير الطبيب فى وصف العلاج أو حتى فى اختيار الطريقة الأمثل للتدخل الجراحى، ويبقى القاسم المشترك فيها هو المواطن البسيط الذى يتحمل وحده آلام ويعانى من مستقبل غامض.
تحاول الدولة بمؤسساتها من وقت لآخر تطوير المنظومة الصحية عبر دعم مالى لتطوير مستشفيات التكامل بالمحافظات وإرسال قوافل طبية من وقت لآخر للقرى والنجوع أو حتى تطوير جذرى بهيكل المنظومة الصحية فيما يعرف بقانون التأمين الصحى، ولكن يبقى العامل البشرى هو الأهم فى الكيان بشكل عام، نجاح أى مشروع يرتبط بنجاحه وتقدم أى حالة طبية يرتبط باهتمامه وارتفاع نسب العلاج تعتمد بشكل أساسى على مدى إخلاصه وإيمانه بالمهنة الأهم فى المجتمع وهى مهنة الطب.
أحد أبرز مظاهر دور العامل البشرى فى مهنة الطب، تجلى بشكل واضح فى مستشفى الطوارئ بجامعة المنصورة قبل 4 أيام، وتحديدا الخميس الماضى، شاب وصل للمستشفى ويده مقطوعة تماما، الصور وحدها تصيب أى مواطن بالاضطراب والخوف والقلق.. ونشرت على موقع «اليوم السابع».. الكف الأيسر منفصل عن باقى اليد.. وبمجرد مشاهدته لا تستطيع إلا أن تقول «ربنا يستر عليه»، خاصة أن مستشفى المنصورة فقيرة الإمكانيات ليست بحجم مستشفى قصر العينى بالقاهرة ولا تضم فى طاقم عملها أساتذة بعدد مستشفيات الجامعية ولا حتى تحظى باهتمام المسؤولين مثل مستشفيات العاصمة، وللعلم لن يلام أطباء المنصورة إن لم يستطيعوا أن يعيدوا الكف إلى اليد مرة أخرى بعد الانفصال التام فى هذه الحالة الصعبة.
ولكن.. كما ذكرت مسبقا، العامل البشرى المؤمن برسالة الطب، له دور كبير فى العملية الطبية بشكل عام، فريق الأطباء المتواجد فى مستشفى الطوارئ تعامل مع الحالة بكفاءة عالية، وأجرى عملية جراحية لمدة 9 ساعات لإعادة الكف لليد، وهى عملية مركبة تتمثل فى إجراء جراحة ميكروسكوبية دقيقة ثم إعادة توصيل الشرايين والعظام، والأوردة، والجلد، ويعقبها إجراء جراحة تجميلية أيضا للجلد وتحسين وضع الكف لضبط عمله وإعادة حركته بشكل طبيعى، وهو أمر فى غاية الصعوبة.
المشهد النهائى أن العملية نجحت وأن الكف المقطوع عاد لليد مرة أخرى وأن الشاب الذى كان ينتظر حياة سوداء بدون يد، زالت من على وجهه الستارة السوداء وعاد الأمل إليه بأن الدم لا يزال يجرى فى كف يده.. المشهد النهائى أن الفريق الطبى بمستشفى الطوارئ بجامعة المنصورة تغلب على الصعاب والمعوقات وأجرى جراحة فريدة من نوعها وأثبت أن العنصر البشرى المؤمن برسالة الطب يستطيع العمل تحت أية ظروف ويحقق معادلة النجاح.
المشهد النهائى أننا أمام فريق طبى متميز يحتاج إلى التكريم من قبل أجهزة الدولة ومننا كصحافة وإعلام على تحمل المسؤولية والإيمان بالرسالة والسعى نحو تحقيقها، ولى الشرف أن أختم المقال بأسماء الفريق الطبى المشارك فى هذه العملية كتكريم رمزى لهم وهم الدكتور سمير عطية مدير مستشفى الطوارئ بالمنصورة- الدكتور عمرو محمد خاطر مدرس جراحة التجميل- الدكتور أحمد السعيد زايد مدرس مساعد جراحة التجميل- الدكتور أحمد الزهيرى طبيب جراحة التجميل- الدكتور محمد العلامى طبيب جراحة التجميل.
ويبقى السؤال الرئيسى وراء قصة نجاح أطباء المنصورة، من قطع يد الشاب، التقارير الصحفية الأولية تشير إلى مشاجرة.. أى مشاجرة هذه التى تنتهى بقطع يد شاب، وأى مجتمع هذا الذى وصل الأمر فيه لأن خلاف بين اثنين تنتهى بكف مفصولة عن باقى اليد.. تفاصيل ما يجرى فى المجتمع من قطع يد الشاب.. من يهدر قيم مجتمعنا.. غدا فى مقال جديد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة