تطهير العقول من الأفكار المتطرفة، أقصر طريق إلى قطع ذراع الإرهابيين التى تحمل السلاح، ولن تتطهر العقول إلا إذا عدنا إلى مصر بثقافتها وحضارتها وتاريخها، وبتعظيم تعاليم الإسلام التى قال عنها الرسول الكريم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، بينما تعيش الأمة مساوئ الأخلاق بكل صورها وأشكالها، من الكذب والغش والخداع، حتى القتل وإراقة الدماء.
نجح المصريون فى استرداد وطنهم من أيدى جماعة الشر، ولكن بقى أن يستعيدوها من أفكار وثقافة جماعة الشر، التى لا تزال تسيطر على بعض العقول، والأفكار أكثر خطورة من الديناميت والمتفجرات، فكل رصاصة غادرة تأتى من فتوى، وكل سيارة مفخخة تدعمها فكرة ظلامية، والعقول التى تخطط وتدبر ليست أقل خطورة من الأيدى التى تنفذ، فكلاهما طرفى معادلة الموت والتخريب.
لا نحتاج فقط لتجديد الخطاب الدينى، وإنما كل مخزوننا الراكد يحتاج إلى تجديد، الخطاب الثقافى والسياسى والاجتماعى والتعليمى، حتى تعود إلينا مصر التى كانت، وطن التسامح والوعى والحضارة والأصالة، واحتواء الآخر والتعايش الآمن بين كل الأديان والأفكار والثقافات، تحت مظلة الهوية الوطنية الأصيلة، التى تنصهر داخلها كل الهويات.
مصر التى عادت إلينا تحتاج أن نعود إليها، وأن نفهِّم أولادنا منذ الصغر أن حب الأوطان لا يتعارض مع الأديان، وأن الأشرار الذين يريدون استبدال العَلَم والنشيد والهتاف بأعلام سوداء وأناشيد متطرفة، لن ينجحوا فى اختراق أعماق ثقافية وحضارية تضرب جذورها فى أعماق التاريخ، فمصر التى حاولوا التفريط فى ترابها الوطنى، لن تطأها أقدام دعاة الخلافة، ولن يحكمها إلا مصرى وليس ماليزيا أو سريلانكيا.
مصر لن تعود إلينا إلا إذا عدنا إليها.. وجسر العودة هو استعادة هويتها وثقافتها ومثقفيها وأدبائها وشعرائها، الذين يتجاوز عددهم سكان إحدى الإمارات التى تضمر لنا شرًا، وإفاقة حُرَّاس القوى الناعمة رهن أن يعودوا لصدارة الصفوف، بعد أن انسحبوا، يلعقون جراحهم المعيشية ومشاغل الحياة اليومية، فصرنا بلا غطاء يحمينا أوقات الأزمات، وينخر فى العقول سوس يتطاير من كهوف الظلام.
الأحلام الكبيرة لا تولد إلا كبيرة، ومصر التى ملأ نورها الثقافى الدنيا، ووحد تحت دفئه شعوب المنطقة، آن الأوان أن تعود سيدة الشرق، وصانعة الأمجاد والبطولات، وقبلة الحالمين بالحرية والعدالة والتسامح والسلام والأمن والطمأنينة، فى منطقة يغزوها أشرار العالم، وجعلوا أرضها الطيبة مستنقعًا للدسائس والمؤامرات.
مصر عادت إلينا، وفى انتظار أن نعود إليها.