لن تحميها الجدران العازلة من غضب العرب والمسلمين، وإسرائيل تعلم جيداً أن الزمن مهما طال، فالقدس عربية إسلامية، ولن تكون غير ذلك، وأن محاولات السطو على التاريخ والمقدسات مآلها الفشل، وأن سلاح الصبر هو صاحب السيادة والحسم، فالمسلمون انتظروا مائة عام حتى ظهر فى صفوفهم صلاح الدين، وحرر القدس من أيدى الصليبيين وسينتظرون سنين وسنين حتى يظهر فى صفوفهم صلاح الدين جديداً، يحرر القدس والأقصى.
إسرائيل لن تكون أقوى من الصليبيين، ولا الجيوش التى جاءت بالآلاف، لتغيير طبيعة المدينة المقدسة وإقرار أمر واقع، وفعلوا أكثر مما تفعل إسرائيل الآن من عمليات قرصنة، ومحاولات لتغيير الملامح ومحو الهوية، ولكن تحطمت موجات الغزو على أيدى رجال ومقاتلين آمنوا بأن مدينتهم لن تكون إلا عربية ومسلمة.
إسرائيل تحمى نفسها بالمستوطنات وليس بالسلام، وتحاصر نفسها بالكتل الخرسانية خوفاً من الغضب، ولكن متى كانت البروج تحمى من الغضب، وتصون الدول وتقيم علاقات طيبة ومع الجيران؟.. ومتى كان اغتصاب الحقوق سنداً للشرعية وتثبيت الظلم والقهر والعدوان؟.. ومتى كانت القوة الغاشمة سبيلاً لتحقيق المكاسب ؟.
القدس أمانة وليست غنيمة، أمانة فى أعناق كل عربى ومسلم يريد أن يحمى الأقصى من الهدم والتدمير ومن المخططات الشيطانية التى تدبرها إسرائيل فى الخفاء، وإذا أرادت إسرائيل أن تعيش فى سلام فلتترك القدس الشرقية لأصحابها، وتمتد جسور التعايش السلمى الآمن بدلاً من الحصون والقلاع والقتل والرصاص، وإذا انفتحت نافورة الدماء فلن تتوقف أبداً، دماء لا يعلم أحد من يريقها ومن يشربها.
القدس ليست مجرد حدث عادى يستيقظ عليه العرب فيثورون ويغضبون ثم يهدأون وينامون انتظاراً لحدث جديد، ولكنها ملف يجب أن يظل مفتوحاً وينزف ألماً ووجعاً، وواجب أبناء الأمة بدلاً من البكاء والنواح، أن يتسلحوا بالقوة، وأن يجعلوا من مدينتهم المقدسة قضية يلتفون حولها ويرفعون رايتهم.. وإذا لم يتحدوا من أجل القدس، فعلى أى شىء يمكن أن تتوحد كلمتهم؟
لا تكفى بيانات الشجب والاستنكار، فهى أكوام مكومة تعلو أمتاراً، لكنها لم تسترد شبراً من الأرض، ولم ترد ذرة من الكرامة.. ولو ظل العرب يشجبون ويدينون، فلن تعود القدس ولن يرتفع الأذان فى مآذن الأقصى، وستنعم إسرائيل بسرقة التاريخ والمقدسات كما سرقت فلسطين.. الصمت أفضل من الشجب والإدانة، فربما أعقبه صراخ وثورة.
القدس لن تعود إلينا إلا إذا عدنا إليها، والأقصى ليس فى حاجة إلى الدموع والنحيب والبكاء، بل إلى العمل والقوة والعطاء.