رحل، صباح اليوم، الكاتب الكبير مكاوى سعيد، والذى يعد واحدا من أشهر الكتاب المصريين فى الوقت الراهن، خاصة بعد روايته تغريدة البجعة التى ترشحت لقائمة البوكر العربية، عام 2008، كما أن روايته أن تحبك جيهان نافست فى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد، وحصلت روايته فئران المدينة على جائزة سعاد الصباح.. ومكاوى سعيد له العديد من الكتابات منها.
مارس مكاوى سعيد كل الفنون الكتابية فبدأ بالشعر فى سبعينيات القرن الماضى، قبل أن يتوقف فترة ويعود بعدها بالقصة القصيرة لكنه لمع فى الرواية خاصة بعد "تغريدة البجعة".
مقتنيات وسط البلد
كتاب ذو نكهة خاصة، يحمل معه وجهين مختلفين يكمل كل منهما الآخر، هنا ينتقى لنا "مكاوى سعيد"| - بعين الروائى - وجوهًا وأماكن من وسط القاهرة، من بين جنبات تلك الشوارع المعدودة التى تَشكَّل فيها جزء هام من تاريخ مصر الحديثة، حيث كانت ولا تزال ملتقى المثقفين والفنانين المصريين، يمارسون فيها الفن والسياسة والكلام والصعلكة، من «وسط البلد»، حيث تتداخل حياة هؤلاء المثقفين وما لهم من طموحات لا محدودة وجنون مدهش، بحياة ملايين المارة اليوميين من جميع أنحاء مصر والعالم. سنقرأ عن 41 شخصية من ذوى الوجوه المألوفة فى جلسات المثقفين أو على أطرافها، بعض هذه الشخصيات كان موهوبًا وفضل الصعلكة على الموهبة، وبعضهم تكسرت طموحاته بيده أو بيد غيره فانطوى على نفسه أو أصابه الجنون أو مات أو ابتعد، وبعضهم آثر السكينة وظل يغرف من حكمة الحياة الصافية
وفى الناحية الأخرى يحكى عن مقاهٍ ومطاعم وبارات ومنتديات ثقافية نشطت فى «وسط البلد» فى منتصف السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تلك الأماكن التى منها ما يزال قائمًا يحتفظ ببريقه، ومنها ما انسحب تمامًا من الصورة بعد أن أزاحته محلات الأحذية أو الوجبات السريعة، ومنها ما تدهور حاله، وإن ظل محتفظًا باسمه ومكانه.. هنا يرصد «مكاوى سعيد» تاريخ هذه الأماكن، والحكايات التى دارت وتدور فيها وحولها. سنقرأ عن جروبى وريش، والنادى اليونانى وأسترا، وعلى بابا، وقهوة الحرية، وستلا، وإستوريل.. والكثير غيرها.
تغريدة البجعة
"لم أعد أجرؤ أن أجالس المسيّسين حتى على المقاهى هربت إلى الخارج، وعندما عدت اختفيت خلف كاميرا تمتلكها أمريكية، ما الفرق بينى وبين من يملكون دكاكين حقوق الإنسان، ومنع التمييز، وحقوق المرأة؟ زملاؤنا القدامى جاهروا بالسرية وتاجروا بأسابيع اعتقالهم، وملأوا الفضائيات فخراً بنضالهم. هم باعوا وقبضوا الثمن، ونحن وصِمنا بالجبن والتنازل".
يشتق مكاوى سعيد فى تغريدة البجعة، الشكل الروائى من واقع اجتماعى متحوّل ومتبدّل. معيناً الشكل الجديد مدخلاً إلى قراءة الواقع وتحولاته، فى عمل روائى جميل يرثى زمناً غنائياً مضى، ويصوغ المستقبل المحتمل بأسئلة بلا إجابات.
ويشير مكاوى فى روايته إلى الكثير من القضايا الاجتماعية التى يغلفها بطابع سياسى مشيراً إلى الاجتياح الإسرائيلى للبنان، والمجازر التى ارتكبت بحق الأطفال والأبرياء، وتداعيات هذا الاجتياح على المجتمع العربى.
فئران المدينة
"إن الخوف لا يزال يملكه ووجه النمرة لم يفارقه.. يتشكل فى وجهها ويتشكل وجهها فيه.. يمتزجان.. لم يعد يعرف الفرق بينهما.. كان كل الذى بينهما هو الحلم، حلم يخصه فقط.. حين كان يراها كانت تتملكه.. تدفع الدم الى كل جسده وكان يكتفى بالتمني.. وحين عرفها أصبح يخشاها وكانت لا تدرك ذلك جيدا.. فإن أدركته لضيعته.. استغل نقطة ضعف صغيرة بها، استفاد منها جيدا لكنه كان يخشى أن تجد نفسها مرة وحيدة محاصرة فى ركن ضيق فتتمطى كالتنين وتقتلع كل شيء .. هل أتتها اللحظة الآن؟
ليعلم الجميع أنى سأظل هكذا
كانت بيننا حكاية لم تتم، ومحاولة فاشلة للانتحار تركت أثرا مشوها على جانب خدها الأيمن، وشريطا داكن االون كإسفنجة مليئة بالثقوب ممتدا من أعلى الذراع اليمنى حتى الأنامل، وعاراً لاحقهم حتى رحلوا ذات ليلة سوداء متسربلين بالظلام مجموعة قصصية فازت بجائزة اتحاد الكتاب لعام 2009.
كراسة التحرير
يتناول سلوك ومواقف الفنانين والسياسيين والمثقفين وعلماء الدين أثناء ثورة 25 يناير وداخل الميدان، من خلال رؤيته الشخصية لهم، ويعرض مواقف طريفة وأخرى مأساوية حدثت بالفعل.
عن ميدان التحرير وتجلياته
منذ قيام ثورة 25 يناير وميدان التحرير فى بؤرة الأحداث بمعالمه التاريخية وبناياته الشامخة، وقد صار أيقونة للثورة، كُتب عنه فى تلك الأيام الخالدة فى مصر والعالم العربى والغربى ، أكثر مما كتب عن أى شئ آخر ، وحقق رقماً قياسياً فى كل محاور البحث عبر الإنترنت ، غير أن كثير من الصحف والمجلات وما بٌث عبر الفضائيات حفِل بكثير من الأخطاء نظرا للتسرع الذى أصاب البعض وهم يلهثون وراء الأخبار، سواء فى أسماء بعض الشوارع ، او فى أسباب هذه التسميات وتاريخها، او فى الشخصيات والمعالم المنسوب لها ، أو فى التسلسل التاريخى لبعض هذه الشوارع المهمة الذى فى أحيان كثيرة يكون له دلالات لها أهمية قصوى.
أن تحبك جيهان
"خلت من الناس إلا فيما ندر تثير في قلبي الشجن، وهناك على مبعدةٍ تحت ظل تلك الشجرة الوارفة يحكم شخصٌ ملابسه وهو يشير إلى سياراتٍ متعجلة لا تقف، ثم يعتدل ويسند ظهره إلى ساق الشجرة حتى ترضى عنه سيارة وتسمح له بدخولها .. ياه ، أحلم كثيرًا بهذا المشهد .. أن يراقب غرفتي رجلٌ يحتمي بظل هذه الشجرة ولا يهدأ ولا تقر عيناه إلا عندما أغلق ضوء غرفتي.. لحظتها يطمئن ثم يغادر .. أين لي بهذا الرجل؟"
هذه رواية حكَّاءٍ محترف، يطأ بحروفه مفازات البهجة والإحباط، ويحلِّق في آفاق القبح بحثًا عن إرهاصات الجمال!
يصنع شخصياته من تفاصيل الحياة وينثرها على الورق فتبدو كما لو كانت حيّة .. لها ما للبشر من سماتٍ وتناقضات .. تتقبل مواقفها، أو ترفضها .. تتعاطف معها، أو تتخذ موقفًا ضدها .. لكنك طوال الوقت تعايشها، تراها، بل وأحيانًا تسمعها .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة