جاء المذهب الليبرالى الحر على أعقاب الطبيعيين، أو أصحاب المدرسة التقليدية، ومن أعلامها "أدم سميث" و"ديفيد ريكاردو" وقد قالا بحرية سائر الفعاليات الاقتصادية، ولم يكن المجتمع فى ذلك الوقت، بالنسبة إليها غير جماعة من الأفراد تحترم الملكية الخاصة وتحترم العقول والمعاملات بين البائع والشارى على حد سواء، وليس بينهم خاسر أبداً.
وقد بنى على هذه الأسس قاعدة أن "المال قيمة" تناسب السلعة، وأن كل الناس يكسبون لأن كل فرد منهم يحصل على ما هو بحاجة إليه بواسطة ما هو فائض عنه. والسعى للحصول على أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس، حسب قول "بنتام"، أمر مشروع، بل ويجب تشجيعه، وهذه السعادة وهذا الرخاء يفترضان تحقيق بعض الأمور: ومنها ؛ تجنب الحروب، الأمر الذى يقتضى تسلح الأمة تسليحاً كافياً يفقدها قوتها الاقتصادية.
ثم يجب إزالة كافة الحواجز الجمركية التى تسد باب التجارة العالمى فى وجه الأمم، فتبادل كل شىء يكون حراً. وأخيراً عدم الاستسلام للعواطف الانسانية الكاذبة، فليس على الدول أن تعمل على حماية سكان البلاد بعضهم من بعض (كالدائن والمدين، العمال من ارباب العمل) فمثل هذه التدخلات والحماية من جانب الدول والحكومات، تولد نوعا من الميوعة والتواكل على الغير.
ومن المفارقات أن هذا المذهب الحر الذى يرفض الحرب، هو نفسه فيما بعد شجع على الحروب لتمويل الاقتصاديات الغربية فى القرن التاسع عشر على حساب دول الشرق الأوسط. واستمراراً فى التحليل، فالليبرالية لا تقر مذهب الحماية التجارية، إلا أنهم يقيموا الحواجز الوضعية حسب مصالحهم الشخصية أمام الصين واليابان وكوريا ودول الشرق الأوسط. على أن يكون العالم بالنسبة لهم وليس لغيرهم "جمهورية تجارية" تخضع لدستورهم: فلا يطلبون من الحكومة إلا السلم، وضمان الملكية، وحرية التبادل، لأنهم يوقنون بأن عالم التبادل الحر هذا عالم السعادة والمساواة والعدالة. وكان "جان باتيست ساى" على رأس المتفائلين من رواد المذهب الحر.
أما المتشائمون من أساطين المذهب الحر، كان فى طليعتهم "مالتوس" الذى كان أول من قرع ناقوس الخطر فى نظريته حول تزايد السكان التى يبرهن فيها على ان الطبيعة ذاتها تكذب تفاؤل رواد المذهب الحر من القرن التاسع عشر. والذى أثبته "مالتوس" بدستوره الرياضى القاسى الذى يضع العلاقة بين نماء الثروة الناتج من الاستثمار الانسانى والزيادة السكانية، حيث انتهى إلى أن مصير الانسانية إذا لم تنقذها الحروب الطاحنة والأوبئة الجائحة، سوف يتضاعف عدد سكان الأرض كل خمسة وعشرون عاماً، مما يؤدى إلى البؤس ونقص وسائل العيش لسكان المعمورة. وتنتهى إلى نقص كامل فى تناسق العالم وبين الدول والجماعات إلى أن نصل إلى فوارق شاسعة بين طبقات المجتمع والدول والقارات وتسقط العدالة الاجتماعية فى الأرض.
* أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة