أواصل قراءاتى فى الملف الأمريكى وسياسيات البيت الأبيض تجاه دول المنطقة العربية، وتأثير علاقتها الحميمة مع إسرائيل، التى تعد أحد معوقات إقامة علاقات طيبة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، وطبقا للموسوعة السياسية العالمية التى رصدت العلاقات بين دولة الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الإسرائيلى، التى رصدت تاريخ العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، والتى مرت بعدة مراحل، لعب فيها اللوبى الصهيونى دوراً بالغاً ومؤثراً فى توجهات السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربى الإسرائيلى فى الشرق الأوسط بدءاً من قبل إعلان دولة إسرائيل عام 1948 وحتى الآن.
بنيت العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية على عدة أسس يمكن ذكر أهمها فى الآتى:
1 - ضمان أمن وبقاء إسرائيل والقناعة بالنظام الديمقراطى بها الذى يشكل الامتداد الحضارى والتكنولوجى الغربى.
2 - إسرائيل هى الشريك الإقليمى القادر على تحقيق المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط.
3 - حق إسرائيل فى الحصول على تعويضات لإقامة ونمو الوطن القومى لليهود والحفاظ على بقائه وفاء لما تعرض له اليهود من اضطهاد على يد النازى.
4 - التفوق العسكرى الإسرائيلى وما له من ميزة تكنولوجية فى مواجهة أىّ ائتلاف عربى، هو ضمان تحقيق الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط.
5 - التعاون الاستراتيجى الإسرائيلى الأمريكى، أصبح يستند إلى تبادل المصالح المشتركة، مع ضمان تحقيق التفوق المطلق لإسرائيل على جيرانها، والتعاون الثقافى بين البلدين لمواجهة التهديدات المشتركة.
6 - ضرورة اعتراف الدول العربية بحق إسرائيل فى الوجود داخل حدود آمنة والمرور الآمن فى الممرات البحرية، وعدم الضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضى العربية المحتلة.
7 - استمرار الالتزام الأمريكى تجاه إسرائيل بدعمها «سياسياً- اقتصاديا- عسكرياً» وتأييدها فى المحافل الدولية لتحقيق أهدافها التوسعية بالمنطقة واستخدامها كعامل ردع ضد الدول العربية.
ويمكن تقسيم مراحل العلاقات الإسرائيلية- الأمريكية كالآتى:
أولاً: مرحلة بدء تكوين اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة الأمريكية
قبل أن تنشأ إسرائيل كدولة، وجد التجمع السياسى اليهودى أولاً فى عواصم أوروبا ثم فى واشنطن، وكانت الصهيونية حلماً فى خيال مجموعة من الأفراد خلال القرن التاسع عشر، اتفقوا على أمر واحد هو أنه لكى يعيش اليهود حياة طبيعية، فلا بدّ لهم من نشوء دولة يهودية، ومن هذا المنطلق سعى الزعماء الصهاينة دون كلل أو فتور لإقناع العالم بمساعدتهم فى تحقيق هذا الحلم، وكان المؤسس والمحرك الأول للصهيونية السياسية هو «تيودور هرتزل» Theodor Herzl، حيث أصدر هرتزل كتاب الدولة اليهودية «Der Juden Stat» عام 1896 الذى أكد فيه أن حل المشكلة اليهودية لن يكون إلا بإنشاء دولة ذات سيادة، وقال: «إن المشكلة اليهودية ليست مشكلة دينية أو اجتماعية بل هى مشكلة قومية، وإعادة الشعب اليهودى إلى أرضه هى التى تجعله واقفاً على قدم المساواة مع الشعوب الأخرى وتضع حداً نهائياً لشتات اليهود».
وقد بدأت الصهيونية كحركة أوروبية، ويبرهن على ذلك ما أعلنه مؤسس الصهيونية الإصلاحية الأمريكية الحاخام «استيفن وايز» فى نهاية القرن التاسع عشر باسم منظمته بالقول:
«إننا نعارض الصهيونية السياسية بحزم وإصرار». وحتى قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى لم يكن عدد أنصار الحركة الصهيونية فى الولايات المتحدة الأمريكية يتجاوز العشرين ألفا من مليونى يهودى أمريكى ونصف المليون، حتى 2 نوفمبر 1917 حين أصدر آرثر جيمس بلفور وزير الخارجية البريطانية تصريحاً عرف باسم تصريح بلفور Balfour Declaration متضمناً تأسيس وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين، مؤيداً من قبل الرئيس الأمريكى وودرو ولسون Woodrow Wilson، إلا أن ولسون اشترط عدم المساس بالحقوق الدينية لغير اليهود فى فلسطين، وفى أواخر أغسطس 1918 بعث ولسون برسالة إلى الحاخام استيفن وايز، رحب فيها بالتقدم الذى أحرزته الحركة الصهيونية فى الولايات المتحدة الأمريكية وفى البلدان الحليفة منذ صدور تصريح بلفور، ومن ثم بدأت تتزايد الهجرات اليهودية إلى فلسطين، ونتج عنها تصاعد الاضطرابات الدموية بين اليهود والعرب.
وعلى الرغم من تلك المكاسب التى حصل عليها اليهود، فإن الحركة الصهيونية الأمريكية لم تنج من المعارك الداخلية، حيث حدث تباين بينهم، فمنهم من حاول استغلال صداقة الرئيس الأمريكى تيودور روزفلت Theodore Roosevelt من أمثال الحاخام استيفن وايز، لفرض معاونته فى إنقاذ اليهود الموجودين فى فلسطين بتحويل مسار هجرتهم إلى مستعمرة بريطانية مثل كينيا أو أوغندا، إلا أن هذا المقترح قوبل بالرفض من كثيرين، على أساس أن فلسطين هى الهدف الأساسى لليهود، وهى نقطة الارتكاز التى تبدأ منها سيطرتهم على العالم، ففيها يجب أن تنشأ دولتهم لأنها على حدّ قولهم أرض الميعاد وهى حق لليهود وحدهم.
1 - الدور الأمريكى خلال مرحلة نشأة إسرائيل، بدأت العلاقات الأمريكية تتوثق مع المنظمة الصهيونية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، فقد شكل الرئيس ولسون لجنة للتحقيق فى مطالب العرب ولجمع المعلومات، وأطلق على هذه اللجنة اسم «لجنة كينج- كرين»، وسجل تقرير اللجنة التى قدمت فلسطين عام 1919، رفض سكانها العرب للصهيونية وقررت اللجنة فى تقريرها أن البرنامج الصهيونى لا يتفق مع الحقائق ولا مع المبادئ التى أعلنها الحلفاء، كما أوصى التقرير بالحد من الهجرة اليهودية إلى فلسطين والعدول عن كل خطة ترمى إلى جعل فلسطين دولة يهودية.. «يتبع».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة