تلقت الولايات المتحدة هزيمة فيما يتعلق بقرارالرئيس دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده للقدس. وصوتت 128 دولة، منها أكبر حلفاء أمريكا لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة. رغم أن واشنطن مارست أقصى درجات التهديد، ترامب هدد بوقف المساعدات عن الدول التى تعارض قراره، ووجه رسائل مباشرة لـ180 دولة قبل التصويت.
مندوبة أمريكا فى الأمم المتحدة كررت تهديدات بلادها للمنظمة الدولية، وقالت إن أمريكا تدفع بسخاء وإن هذا الإنفاق لايقابل بالاحترام اللازم، واعتبر دبلوماسيون ومحللون أوربيون أن تهديدات ترامب وتصريحات مندوبته نيكى هايلى فى الأمم المتحدة جعلت الاتحاد الأوروبى والعالم يتوحد لصالح فلسطين.
منطق التهديد يحول الولايات المتحدة إلى ما يشبه شركة وليس دولة عظمى. وقد سبق وسحبت الولايات المتحدة جزءا من حصتها فى تمويل اليونسكو بعد إدانة إسرائيل على خلفية هدم الآثار الإنسانية والإسلامية فى القدس.
وكانت التهديدات واضحة عندما قدمت مصر قرارا لمجلس الأمن والذى حظى بالموافقة، لكنه اصطدم بالفيتو الأمريكى المتوقع، وانتقل للجمعية العامة ليصدر القرار بأغلبية الدول، ورغم أن قرار الجمعية العامة غير ملزم لكنه مؤشر على الرفض الدولى للتحركات الأمريكية.
أعاد قرار ترامب قضية فلسطين إلى بؤرة الاهتمام العالمى بعد سنوات من التراجع، وهو ما يمكن اعتباره من الآثار الجيدة لقرار سيئ، فقد بدا فى وقت من الأوقات أن القضية الفلسطينية غادرت الواجهة بعد انشغال الدول العربية بصراعاتها الداخلية والانقسام الفلسطينى الداخلى، لكن المساعى المصرية قبل شهور كسرت جليد الخلافات وأنجزت خطوات مهمة فى جمع الشمل الفلسطينى وعقدت مصالحة بين فتح وحماس، وهى مصالحة تحتاج وقتا لتكتمل، لكنها تمثل أهمية فى مواجهة العدوان الإسرائيلى والانحياز الأمريكى، كانت الانتفاضة الموحدة للفلسطينيين فى القدس كاشفة عن عنف الاحتلال وقتل المقعدين واعتقال الفتيات والشباب. وجاء التحرك المصرى فى مجلس الأمن ليؤكد على الموقف المصرى الثابت والرافض للتهديدات الأمريكية، وكان مقدمة لجلسة الجمعية العامة التاريخية. ولهذا توجه كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، بالشكر إلى مصر ورئيسها، و«الدبلوماسية المصرية التى وقفت ضد القرار الأمريكى».
تصويت 128 دولة كشف عن تراجع مهين للولايات المتحدة، وكشف التليفزيون الإسرائيلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو توسل لإقناع رئيس وزراء التشيك بضرورة التصويت ضد فلسطين، أو الامتناع عن التصويت فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كى لا يسجل التاريخ أن الاتحاد الأوروبى بكل أعضائه صوت لصالح فلسطين ضد قرار ترامب حول القدس، وذلك بعدما فشل فى إقناعه بالتصويت ضد فلسطين.
واعترف الصحفى الإسرائيلى براك رابيد، بأن تهديدات ترامب ومندوبته فى الأمم المتحدة لدول العالم فشلت وأدت إلى نتائج عكسية، وتسببت فى توحيد الاتحاد الأوروبى كله ضد قرار ترامب بشأن القدس.وانتهت إلى هزيمة دبلوماسية كاسحة للأمريكيين والإسرائيليين من دول العالم. وباستثناء أمريكا وإسرائيل لا توجد دولة فى العالم ترضخ لتهديدات ترامب. وسخر محللون أوروبيون وإسرائيليون من تهديدات ترامب ووصفوها بالفارغة، وأكدوا أن دولا مثل مصر والأردن صوتت لصالح القرار، بل أن مصر قادت تقديم القانون فى مجلس الأمن معطية ظهرها إلى التهديدات الأمريكية. وقال مندوب فنزويلا ممثلا عن دول عدم الانحياز موجها حديثه لأمريكا «العالم ليس للبيع.. والقدس عاصمة فلسطين».
لقد سعى الرئيس الأمريكى لتحقيق انتصار بقراره المخالف للقانون الدولى، وأتاح بتهديداته الفرصة للكشف عن فقدان أمريكا لصفة القوى العظمى، فضلا عن اختلال النظام العالمى. لكنه أعاد بغروره للقضية الفلسطينية لمعانها.