مرت ثلاثة أسابيع تقريبا على اغتيال الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح، وما زالت المعلومات قليلة حول الأمر، وحول كيفية وصول عناصر الحوثيين لهم وتنفيذ جريمتهم الشنيعة بحقه، بينما تتضارب الحقائق والتفاصيل فيما يخص مكان وطريقة تصفية الرئيس السابق.
فى هذا الإطار، كشفت مصادر أمنية بالعاصمة اليمنية صنعاء، أن عناصر وميليشيات الحوثيين استعانوا فى قتل الرئيس السابق على عبد الله صالح بقوة أمنية سرية متعددة المهام، يطلق عليها اسم "الأمن الوقائى"، تتلقى أوامرها بشكل مباشر من زعيم الجماعة عبد الملك الحوثى.
عناصر الحوثيين تراقب "صالح" وترصد حركته طوال شهور
فيما يخص آخر التفاصيل والمعلومات المتوفرة بشأن الأمر، نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن المصادر قولها، إن "عناصر الجهاز الأمنى الحوثى عملت منذ أشهر على رصد كل تحركات الرئيس السابق، بما فى ذلك اتصالاته ولقاءاته واتصالات المقربين منه والأماكن التى يتنقّل بينها، كما حصلوا على معلومات دقيقة عن حجم القوات الموالية له ونوع التسليح الذى تمتلكه".
وأكدت المصادر فى تصريحاتها للصحيفة، أن "الحوثيين عملوا من خلال جهازهم السرى على شراء واستئجار مئات من المنازل فى الحى السياسى والمناطق المحيطة بالمنازل التى يمتلكها صالح وأقاربه والقيادات القريبة منه، وكدّسوا الأسلحة داخلها، كما جعلوها مأوى لمئات من المسلحين فى انتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على صالح وأعوانه".
قوة الحوثيين تزرع أجهزة تنصت فى منزل عبد الله صالح
وعن آلية عمل هذه القوة، أفادت المعلومات التى حصلت عليها المصادر، بأن "هذه القوة الحوثية استطاعت زراعة أجهزة تنصت داخل منزل على عبد الله صالح، واشترت مقربين منه ضمن حراساته وطاقمه الإعلامى، لرصد كل تحركاته، بما فيها اتصالاته مع زعماء القبائل المحيطة بصنعاء".
وأضافت المصادر أن "الجهاز الأمنى الحوثى ساهم بشكل مباشر فى اقتحام منزله وتصفيته مساء الثالث من ديسمبر الجارى، مع عدد من أعوانه، وتلفيق رواية أخرى عن مقتله أثناء هروبه فى الضواحى الجنوبية للعاصمة"، مشيرة إلى أن حجم عناصر هذا الجهاز يقدر بـ3 آلاف شخص، بينهم خبراء معلوماتية ومهندسون فى تقنيات الاتصال والرصد والتحليل، إلى جانب وحدة عسكرية مدربة للمهام الخاصة، وظيفتها تنفيذ الاقتحامات والاغتيالات وصناعة المتفجرات، إضافة إلى وحدة أخرى مهمتها التجنيد والاستقطاب، بحسب المصادر.
عبد الملك الحوثى يؤسس جهازه الأمنى من عناصر شديدة الولاء فى صعدة
يضم الجهاز الحوثى وحدة خاصة بالعمل الإرشادى الدعوى "الأمن الثقافى"، ووظيفتها بحسب المصادر نشر أفكار الجماعة ومؤسسها حسين بدر الدين الحوثى، واختراق الوسط الإعلامى، وتنظيم الدورات والندوات وورش العمل، سواء داخل اليمن أو فى إيران، وفقا للمصادر.
وأوضحت المصادر، أن "الغموض والسرية يحيطان بحياة أفراد الجهاز الأمنى الحوثى، ولا تتوفر معلومات كبيرة، إلا النزر اليسير، عن قيادات هذه القوة الأمنية، حتى داخل أنصار الميليشيا وقياداتها المدنية والعسكرية"، متابعة حديثها عن الأمر بالقول: "أسس زعيم الجماعة هذه القوة الأمنية فى مسقط رأسه صعدة، من عناصر شديدة الولاء له"، وقدرت المصادر أن عناصر من المخابرات الإيرانية وعناصر تابعة لحزب الله اللبنانى ساهمت فى تدريب هذه القوة السرية، قبل أن تُوسّع نطاقها جغرافيا إلى صنعاء وكل المحافظات التى باتت تحت سيطرة الجماعة بعد اجتياح العاصمة فى سبتمبر 2011.
وأفادت المصادر، بأن "هذه القوة الأمنية متعددة المهام تمثل الذراع الاستخباراتية لزعيم الجماعة، وتتجاوز وظيفتها دائرة الخصوم إلى عناصر الجماعة نفسها، إذ ترصد كل تحركات قيادات الميليشيا، وتقدم تقارير يومية لزعيم الجماعة، تشمل كل التفاصيل عن أداء الميليشيا وعناصرها"، مرجحة أن "فريق الاغتيالات فى هذا الجهاز هو المسؤول عن تصفية عدد من عناصر الميليشيا وقياداتها، الذين حاولوا تجاوز الخطوط الحمراء لزعيم الجماعة، ومنهم الإعلامى عبد الكريم الخيوانى، وعضو البرلمان عبد الكريم جدبان، وعضو مؤتمر الحوار الوطنى أحمد شرف الدين، ومحمد عبد الملك المتوكل".
وكان "جدبان" و"شرف الدين" من العناصر المتزنة فى الجماعة، بحسب المصادر، وهى العناصر التى تبنت أفكارا وطنية ضمن سياق الإجماع العام، واغتيل الأول مع "المتوكل" فى حادثين منفصلين خلال نوفمبر 2013، واغتيل "شرف الدين" فى يناير 2014، فى اليوم الذى كان مقررا لإقرار المسودة النهائية لمخرجات الحوار الوطنى.
ويعتقد مراقبون أن محمد عبد الملك المتوكل، القريب عقائديا من الجماعة، كان يمثل صداعا كبيرا لزعيم الميليشيا عبد الملك الحوثى، بسبب أفكاره العلمانية وثقله السياسى ومعارضته للمشروع العام للجماعة نتيجة إيمانه بمشروع الدولة المدنية، ولم تستبعد المصادر أن يكون الجهاز الأمنى الحوثى "المسؤول عن الاغتيالات التى طالت ضباطا عسكريين وقيادات أمنية إبان فترة حكم الرئيس عبد ربه منصور هادى، إضافة إلى حوادث أخرى استهدفت قيادات حوثية فى مناطق سيطرة الجماعة فى العامين الأخيرين".
جهاز الأمن الحوثى يطيح بقيادات وعناصر من الميليشيا الحوثية
ترجح مصادر قريبة من الجماعة، أن "جهاز الأمن الوقائى الحوثى كان سببا فى الإطاحة بقيادات كثيرة من مناصبها القيادية، وتستدل على ذلك بالإطاحة بخطيب الجماعة وأمين أموالها فى صنعاء شرف المتوكل من منصبه قبل أشهر، وأرجعت ذلك إلى "وصول تقارير أمنية للحوثى عن سرقات قام بها المتوكل أدت لإزاحته وتهميش دوره القيادى، رغم تعصبه العقائدى للجماعة ومجاهرته بالولاء لها منذ سنوات، إبان حكم الرئيس السابق على عبد الله صالح، وقبل أن تصبح الجماعة قوة مهيمنة".
وقالت المصادر إن "تقارير أمنية مماثلة من قبل مسؤول الأمن الوقائى فى محافظة ذمار يدعى عبد الله الوشلى، كانت سببا فى إطاحة القيادى المقرب من زعيم الجماعة أبو عادل الطاووس من منصبه مشرفا عاما لمحافظة ذمار، إذ شاع أنه نهب ملايين الريالات من إيرادات المحافظة قبل أن يقيله الحوثى".
ورغم سيطرة الجماعة الانقلابية على كل أجهزة الدولة اليمنية، الاستخباراتية والأمنية، بعد الانقلاب على الحكومة الشرعية فى البلاد، فإنها أبقت عمل هذه الأجهزة شكليا بعدما أزاحت قياداتها السابقة وعيّنت أشخاصا موالين لها، للسيطرة على موارد هذه الأجهزة المالية والفنية لصالح الجهاز الأمنى السرى الذى أنشأه زعيم الجماعة، بحسب المصادر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة