- 12 ألف نسمة تعداد الأرمن فى مصر بينهم 6 آلاف أرثوذكس و6 آلاف كاثوليك
- رئيس الجالية الأرمينية فى مصر: الحكومة المصرية تلبى مطالبنا فى ثانية
- المطران أشود: نحن مصريون أرمن ولسنا أرمن مصريين وممتنون لهذا البلد
- مطران الأرمن فى مصر: نسعى للحصول على اعتراف حكومى بالمذبحة التركية والجريمة جرح مفتوح
فى ليلة الخامس والعشرين من ديسمبر تضىء أشجار الميلاد، تقرع أجراس الكنائس، وتبدأ احتفالات المسيحيين بمولد المسيح الذى تغير بمولده العالم، احتفالات تستمر حتى السابع من يناير، حين يحل الموعد الآخر لميلاده وفقًا للتقويم الشرقى.
فى هذا الملف نحتفى بطائفتين من الأرمن، الأرمن الكاثوليك الذين يحتفلون بالعيد فى الخامس والعشرين من ديسمبر، وأبناء جلدتهم الأرمن الأرثوذكس الذين يحتفلون فى السابع من يناير، الأجانب عرقًا والمصريون روحًا وجنسية، جاءوا من أرمينيا يبحثون عن وطن بعد مذبحة هائلة قادتها تركيا فتشتتوا فى العالم، كانت لهم مصر ملاذًا وبيتًا، أعطت لهم فأعطوا لها، فنانون وكتاب ووزراء ما زال أثرهم باقيًا وممتدًا حتى اليوم.
فى كنيسته الأنيقة بشارع صبرى أبو علم بقلب وسط البلد، يجلس المطران كريكور كوسا، بملامحه الأرمينية ولهجته الشامية، راهبًا حلبيًا جاء لمصر ليرعى مصالح أبناء كنيسته من الأرمن الكاثوليك منذ أكثر من 14 عامًا قضاهم فى هذا البلد بعدما درس بالفاتيكان وبسوريا عدة علوم بينها علم المريمولجى أى لاهوت العذراء مريم والأدب العربى وغيرها من العلوم.
المطران كوسا الذى كان يتحضر لكتابة رسالته عن عيد الميلاد لهذا العام، لم ينس أن يهنئ وطنه سوريا بالانتصار على ما أسماهم أعداء الحياة، فالربيع العربى ليس ربيعًا مثلما يقول بل هو فرصة لأعداء البلاد والإنسانية الذين يريدون أن يسرقوا منا التراث والثقافة والمياه والغاز والبترول، وفى الوقت نفسه فإن كوسا يرى فى جسده رئتين الأولى أرمينية، حيث وطنه الأم وعرقه وسلالته، والرئة الثانية مصرية يتنفس بها هواء البلد الذى احتضنه وعاش فيه مع أبناء طائفته من الأرمن.
ويقول المطران كريكور يلبغ تعداد طائفة الأرمن الكاثوليك 6500 شخص، ونحن مسجلون كبطريركية الأرمن الكاثوليك بمصر وأفريقيا، والطائفة مسجلة رسميًا لدى الدولة، ويساهم أبناؤها منذ سنوات فى نهضة هذا البلد حتى أن يعقوب أرتين باشا مؤسس جامعة القاهرة من أبناء الطائفة، وكانوا دائمًا يتوقون للعمل ونهضة مصر والحفاظ على ثقافتها وارتباطها بالبلاد الأخرى، أما اليوم - يشير كوسا - ليس لدينا مسئولين فى الدولة لكن علاقتنا بهم لا تنقطع، فالرئيس يرسل لنا برقيات تهنئة ويوفد من يهنأنا بأعيادنا.
ويؤكد كوسا كانت أعدادنا تزيد عن الـ120 ألف نسمة فى ن القرون الماضية بعد بدء عصور الإبادة التركية للأرمن وبداية هجرتنا لمصر، ويستكمل: فتحت مصر قلبها لنا قبل أن تفتح بيوتها، لكن الهجرة من مصر قللت عددنا حتى وصلنا إلى 12 ألف أرمنى ننتمى لكنيستين الكاثوليك والأرثوذكس، وحين كان العدد كبيرًا كان الأرمن يتزوجون ببعضهم البعض، أما الآن وبعد انحسار العدد تزاوج الأرمن بالمصريين.
ويذكر كوسا بفرح كبير يوم الانتخابات الرئاسية فيقول: حملنا الأعلام وشاركنا جميعًا فى انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى، بلدنا مصر هى أمنا ومصر مرت بظروف صعبة ومازال هناك صعوبات ونحن لا نبكى على الصعوبات ونجاهد لكى ننظر إلى المستقبل بالأمل والفرح والبناء.
ويشير كوسا إلى أن هناك تحسنا ملحوظا فى الأوضاع فى مصر، ويضيف الرئيس ليس معه عصا سحرية ليغير بين لحظة وضحاها، وعلينا أن نعمل معه من أجل ازدهار الوطن ونهضته واستقراره.
يحب كوسا وزارة الأوقاف التى تبعد خطوات عن كنيسته، ويذكر موقف جمعه بوزير الأوقاف السابق دكتور محمود حمدى زقزوق فيقول: قد رافقنى من مقر الوزارة إلى مقر الكنيسة سيرًا على الأقدام، فرآنا الناس ووجهوا لنا التحية، كنا نريد أن نوجه رسالة تعايش ومحبة، وخرجنا فى الشارع لكى تصل رسالتنا للناس.
طائفة الأرمن الكاثوليك لها ضلعين، فهى من ناحية طائفة كاثوليكية تتبع قوانين الفاتيكان الذى يحكم كافة الكاثوليك فى العالم، ومن ناحية أخرى هى أرمينية ومن ثم فتدير الكنيسة أمورها القانونية وفقا للائحتين، مثلما يقول كوسا، وهما ليسا متعارضين، ويضيف طائفتنا لا تعرف الطلاق ككل الكاثوليك، لكن لدينا فسخ الزيجة فى حالات نادرة جدًا، وفى مناقشات قوانين الأحوال الشخصية المصرية شاركنا مع باقى الكنائس الكاثوليكية وهم شاركوا بالنيابة عنا.
من كنيسة الأرمن الكاثوليك، إلى كنيسة الأرمن الأرثوذكس، بناء فخم فى قلب شارع رمسيس، أجراس ضخمة تقرع صباح القداس الذى صلاه المطران أشود مناتسكانيان باللغة الأرمينية فى حضور عدد من شعب الكنيسة، ومن الكنيسة اصطحبنا رافى سكرتير المطران الذى يتحدث الأرمينية والعربية بطلاقة بينما يفضل المطران التحدث بالأرمينية لكنه يفهم العربية جيدًا ويرد على أسئلتنا بلهجة مكسرة دفعته للاستعانة بمترجم من أبناء الطائفة كان يعمل عميدًا لكلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان.
يرى المطران أشود أن عيد الميلاد معناه ثابت وهو رسالة فرح وأمل لكنه يكتب كل عام رسالة جديدة لشعب الكنيسة، وفى هذا العيد اختار المطران الشاب موضوع التغيير الذى يحدث فى حياة البشرية كرسالة للعيد، ويقول إن عيد الميلاد هو مطلع العام الجديد وعلينا أن نتوقف نهاية كل عام لنحاسب أنفسنا، الميلاد بداية حياة جديدة، كل يوم مضى هو تاريخ سابق، ولا نستطيع تغيير الماضى، لكن نتعلم من أخطائنا ونؤمن أن باب الرحمة الإلهية مفتوح أمامنا جميعًا.
تحتفل الطائفة الأرمينية فى مصر بعيد الميلاد عبر الكثير من العادات والتقاليد التى تحرص عليها مثلما يقول المطران، العيد فرصة لكى تجتمع الأسرة كبيرها وصغيرها، ويضيف: لدينا ترانيم خاصة بكل عيد، ونصلى قداس ليلة العيد يوم 5 يناير وبعد القداس تنظم البيوت الأرمينية والنوادى عشاء يتضمن أكلات معينة خاصة بالعيد، وقداس العيد يصلى صباح السادس من يناير، وإلى جانب الترانيم الكنسية لدينا أغانى خاصة بالعيد.
ويؤكد المطران أشود أنه فى مساء الخامس من يناير تجتمع الأسر الأرمينية لتأكل الأرز والسمك بالإضافة إلى الأطباق الأرمينية الخاصة، ويضيف: أرمينيا من أوائل الدول التى اعتنقت المسيحية رسميًا، لكن العادات والتقاليد المسيحية لم تلغى العادات التراثية الأرمينية القديمة التى سبقت دخول المسيحية، وحين دخلت المسيحية بلادنا اندمجت بالعادات والتقاليد والثقافة.
يلعب المطران أشود دورين فهو من ناحية المدبر الروحى للطائفة، لكنه رئيس الجالية الأرمينية فى مصر من ناحية أخرى، ويوضح أدير شئون الجالية الأرمينية فى مصر، فالطائفة الأرمينية مسجلة كطائفة دينية وليس جالية عرقية، وبالتالى يرأس الجالية مطران الأرمن الأرثوذكس، ولدينا مجلس مللى للطائفة يتشكل من 24 عضوًا وهو استشارى وتشريعى، وننتخب سبعة آخرين كمجلس تنفيذى، ولدينا مجلسان الأول فى القاهرة والثانى فى الإسكندرية، والمطران يرأس المجلسان ويدعو للاجتماعات وينفذ ويتابع ويشرف على تنفيذ القرارات من خلال موظفى البطريركية.
يحظى مطران الأرمن الأرثوذكس بعلاقات جيدة مع باقى الكنائس ووفقا لما يقوله كل الكنائس تعتبر أسرة مسيحية واحدة، ونتبادل الزيارات فى المناسبات مع كل الطوائف، لأن هناك قضايا وإشكاليات مشتركة، ونستفيد من خبرات بعضنا البعض، وبهذه الطريقة نحافظ على العلاقات بيننا.
يؤكد المطران أشود أن تعداد طائفة الأرمن الأرثوذكس يبلغ 7 آلاف نسمة موزعين على القاهرة والإسكندرية، يخضعون لقوانين الكنيسة، وفيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية للطائفة يقول المطران: نتبع فيها قوانين الكرسى الباباوى فى ريفان عاصمة أرمينيا، ولا تسرى علينا قوانين الطلاق التى تطبق على الأقباط المصريين.
ويعود المطران بالتاريخ فيقول: قديمًا كان هناك مجلس خاص داخل الكنيسة يحل مشاكل الراغبين فى الطلاق، وفى المحاكم المصرية هناك لائحة معتمدة للأرمن الأرثوذكس استطاعت الطائفة تسجيلها منذ بداية تسجيل الطائفة، أما الآن فإذا لم تنجح الكنيسة فى حل المشاكل بين المتخاصمين بين أبناء الأسرة الواحدة، فتسرى علهيم القوانين المصرية.
يحرص الشعب الأرمنى على الحفاظ على هويته وثقافته، يوضح المطران أشود ويدلل على ذلك قائلًا: فى كل دولة هاجر لها الأرمن يبدأون ببناء كنيسة، ثم جوارها يبنون مدرسة وبعدها أندية اجتماعية ورياضية وثقافية وهو عرف وتقليد ارتبط بكل الدول التى عاش فيها الأرمن، فى مصر لدينا مدرسة عمرها 160 سنة، ونعلم أطفالنا اللغة فى مدارس الأحد اللصيقة بالكنيسة، والقداس يصلى باللغة الأرمينية وكل المخاطبات والاجتماعات الكنسية باللغة الأرمنية، وكلها محاولات للحفاظ على الهوية، وحاليًا لدينا مدرسة فى القاهرة وأخرى فى الإسكندرية وأندية ثقافية ورياضية وجمعيات خيرية، وكافة أعضاء الجالية يتطوعون فى تلك الجمعيات، لأن الهدف هو أن نعمل معًا ونحافظ على هويتنا الآن وفى المستقبل.
وعن علاقة الجالية بمصر بالوطن الأم فى أرمينيا يقول: نحافظ على الروابط بالوطن الأم، ولا نقطع تلك الصلة حتى لا تذوب هويتنا، لذلك ننظم زيارات تعليمية بين طلبة المدارس أو الأندية، والفرق الرياضية تشارك فى بطولات هناك، والكورال يشارك فى احتفالات، وهناك مهرجانات تنظم سنويًا لتجمع أرمن المهجر هناك فى ريفان.
ويشدد المطران أشود "نحن مصريون أرمن، ولسنا أرمن مصريين"، ويشير: حصلنا على الجنسية ونحن جزء لا يتجزأ من مصر، وعلينا مسئوليات ولنا حقوق، ولا نغفل ذلك أبدًا، وعبر التاريخ وفى كل الدول التى عاش فيها الأرمن خلقوا نهضة ثقافية وحضارية، وفى مصر حصل الكثير من الأرمن على مناصب حكومية عليا مثل نوبار باشا الذى لعب دورًا مهمًا فى تنمية الدولة المصرية، وهو أمر لا يرتبط بكونه أرمنى بل مصرى.
ويشيد المطران أشود بالحكومات المصرية المتعاقبة، ويقول: نعيش تحت إشراف ورعاية الحكومة المصرية، لم نطلب بناء كنائس جديدة بعد صدور قانون بناء الكنائس الأخير بل نكتفى بما لدينا، ولا نعانى من أى مشاكل تتعلق ببناء الكنائس أو تقنين أوضاعها، لكن علينا أن نعترف أن الدولة تلبى احتياجتنا فى ثانية وتقدم لنا دعمًا كاملًا، وفى أى مرة طلبت مطالب من الدولة نفذت بسرعة كبيرة دون أى عوائق تذكر مستكملًا: الشعب المصرى احتضن الأرمن، وإلى اليوم منحونا الفرصة والحرية كى نعيش معهم فصرنا جزءا من البلد.
ويصف المطران قضية الاعتراف بالمذبحة الأرمينية التى ارتكبتها تركيا ضد الشعب الأرمنى بالجرح المفتوح يقول: سنظل نكافح من أجل الاعتراف بالمذبحة الأرمينية، حتى تعترف تركيا نفسها بتلك الجريمة البشعة، ونتيجة لكفاح الجاليات الأرمينية فى المهجر نالت المذبحة الكثير من الاعترافات.
ويستكمل مطران الأرمن: مصر كدولة لم تعلن رسميًا الاعتراف بالمذبحة الأرمينية حتى اليوم، لكن أثناء الاحتفال بالمئوية ساعدتنا الدولة أن نتحدث بحرية فى الصحافة والتلفزيون عن تلك المذبحة وكأنه اعتراف ضمنى، وصار الشعب المصرى واعيا بقضية المذبحة الأرمينية ومازلنا نعمل حتى ننال هذا الاعتراف من الحكومة المصرية وندرك أنها قضية داخلية تتعلق بالحسابات السياسية المصرية ولا نستطيع أن نضغط على مصر من أجل ذلك إن كان الأمر يضر مصالحها، ولكن نأمل أن نحصل على اعتراف الحكومة المصرية قريبًا.
ويرى المطران أشود أن الجالية استطاعت أن تبنى كنائس ومدارس ووصل أعضائها للمناصب، وذلك بفضل المعاملة الطيبة من المصريين والحكومات المصرية المتتابعة، ويضيف: مصر قدمت لنا الكثير ووقفت إلى جوارنا، فهى لم تدع حياة الأرمن تنتهى فى بلادهم بل سمحت لهم باستمرار الحياة فى مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة