كان ما يعرف باسم «الزمن الجميل» حقا جميلا، فمن هذا الذى ينكر جمال هذا القدر الذى جمع كلا من أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وزكريا أحمد ومحمد القصبجى ورياض السنباطى وفريد الأطرش ومحمد فوزى وغيرهم من الموسيقيين فى زمن واحد؟! ومن هذا الذى ينكر إبداع هذا القدر فى الجمع بين فاتن حمامة وشادية وسعاد حسنى ومحمود مرسى ورشدى أباظة وسناء جميل وعمر الشريف وغيرهم عشرات من الممثلين فى زمن واحد؟! ومن هذا الذى ينكر روعة الجمع بين عبد الهادى الجزار ومحمود سعيد وحامد ندا وماهر رائف وحسن سليمان وسيف وأدهم وانلى فى زمن واحد؟! وقس على هذا العديد من المجالات الفنية والإبداعية التى تميزت فيها مصر فى هذا «الزمن الجميل» ولهذا كثيرا ما نسأل أنفسنا ويسألنا أصدقاؤنا العرب: أين ذهبت مصر؟ ولماذا اضحمل مستواها الإبداعى إلى هذه الدرجة؟ ولماذا لا نرى طه حسين أو عباس العقاد أو زكى نجيب محمود أو عبد الرحمن بدوى فى الفكر، أو نجيب محفوظ أو يوسف إدريس أو يحيى حقى فى الأدب؟
فى الحقيقة فإن الارتباك كان أول ما يصيبنى حينما يتم سؤالى بهذا السؤال، لكننى بعد تأمل للصورة أدركت أن الإبدع فى مصر لم يتغير، بل على العكس تماما، تطور، صحيح لم يعد بهذه الصورة المبهرة التى كنا نحظى بها قديما، لكن تلك الصورة لم تصنع نفسها، فقد صنعتها دولة مؤمنة بدور الإبداع، ومدركة لعناصر تميزها، كما صنعها أعلام خلق من مبدعينا فنانين عالميين بحق، وهذا كله أسهم فى خلق ثقة كبيرة تجلت بين المبدع وذاته، من ناحية، والمبدع وجمهوره من ناحية أخرى، فقد أبدع هؤلاء الفنانون فنا خالدا، وهم يدركون أنهم يصنعون فنا خالدا، وهذا لا يتأتى إلا لمن يشعر بثقة المجتمع فيه، وثقته فى نفسه قبل أى شىء.
نأتى إلى السؤال: هل «افتقرت» مصر إبداعيا؟ وإجابتى القاطعة هى «لا» فمازال بمصر آلاف الفنانين فى كل المجالات على أعلى قدر ممكن من الفنية والاحترافية، وما ينقصهم فقط هو إبراز وتقديم وإيمان متبادل بيهم وذاتهم من ناحية، وبينهم والمجتمع من ناحية أخرى، وفى اعتقادى أن مصر «الآن» قادرة على خلق زمن جميل آخر، بل أكثر تطورا مما مضى، بشرط وحيد هو أن يتم إبراز الإبداع المصرى فى كل جوانب الحياة، وأن تؤمن نخب المجتمع بأنها «نخبة».