لا أخفى عليك أننى برغم استمتاعى برؤية صور الاحتفال بأعياد الكريسماس التى نشرتها «اليوم السابع»، والتى ظهر فيها احتفال أهل كوكب التجمع الخامس بهذا الحدث، لكنى فى ذات الوقت شعرت بغيرة حقيقية على ثقافتنا وتاريخنا وحضارتنا، فالاحتفال بهذا العيد الدخيل على ثقافتنا بكل هذا القدر من البهرجة لا يدل على أننا صرنا عالة على الغرب فى الصناعة والتكنولوجيا والمأكل والمشرب فحسب، وإنما أيضا صرنا نستورد الفرح كما نستورد ملابسنا وطعامنا.
تتضاعف الغيرة إذا ما علمنا أن مصر لديها «رأس السنة» الخاص بها، وهو العيد الذى كان أحد أهم الأعياد فى تاريخ البشرية، ففى كل سنة فى 11 سبتمبر من التاريخ الميلادى يحل عيد رأس السنة المصرية، وقد سبق التقويم المصرى التقويم الميلادى بـ4242 سنة، وقد كان المصريون يحتفلون بهذا العيد مثلما يحتفل أهل التجمع الخامس بالكريسماس تماما، لكن وفقا لمعطيات عصرهم، فقد كان المصرى القديم يخرج إلى الحدائق، يمرح بجوار النيل، يحتفل بخروج الكون من فصل الموات «الصيف» ويبتهج بدخول فصل الحياة «الشتاء» سبعة أيام يحتفل فيها بالزرع والمياه، إجازة من الشقاء، استراحة محارب يتلقف أنفاسه بعد أن قطعتها حرارة الجو وقسوة الفيضان، لتبدأ دورة الحياة من جديد، ويبدأ الزرع والحصاد والخير.
كان المصريون يحتفلون بهذا اليوم احتفالا مهيبا، فقد اشتاقوا إلى «توت» أول شهور السنة المصرية الذى سمى باسم الإله «توت» أو «تحوت» إله العلم والفكر، وصاحب أول نظرية صوفية لتبجيل الخالق الواحد القهار، ذلك المعبود الأسمى الذى لا يختلف فى تصوره عن «الله» فى الديانات السماوية المقدسة، فهو الواحد فى كل، والكل فى واحد، الذى ليس كمثله شىء، المنزه عن كل تجسيد، والباقى بلا نهاية، والبادى بلا بداية، وقد كانت وصايا «توت» هى أول كتاب حقيقى يصف الخلق ويبحث فى أصوله، ويضع تصوراته عن الله والخير والشر، كتاب صوفى حقيقى نهل منه أكبر فنانى العالم، حتى خشى الأوروبيون أن تصبح «التوتية» ديانة جديدة فطعنوا فى تلك الوصايا زاعمين بتحريفها أو عدم أصالتها، لكنى مع هذا لا أرى مانعا من أن نعيد اكتشاف هذه الوصايا، وأن نعيد الاحتفال برأس السنة الفرعونية، لأنها ببساطة تعنى الاحتفال «بالحياة» بدلا من استيراد الأعياد.