أكرم القصاص - علا الشافعي

دينا وحكاية أول صوت سمعته بعد 27 عامًا من الصمم.. تحب سماع الآذان وتكره صراخ النساء فى العزاء.. صوت نزول الماء والأكياس يصيبها بالاكتئاب.. والكتابة محاولتها للتأهيل النفسى ونشر الوعى بعمليات زرع القوقعة فى مصر

الأربعاء، 27 ديسمبر 2017 06:30 م
دينا وحكاية أول صوت سمعته بعد 27 عامًا من الصمم.. تحب سماع الآذان وتكره صراخ النساء فى العزاء.. صوت نزول الماء والأكياس يصيبها بالاكتئاب.. والكتابة محاولتها للتأهيل النفسى ونشر الوعى بعمليات زرع القوقعة فى مصر دينا الأشرم
كتبت سارة درويش

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد فشل 3 محاولات لزرع القوقعة فقدت "دينا" حماسها للفكرة، قررت أن تكتفى بمهارة قراءة الشفاه التى علمتها لنفسها بنفسها، كانت تشعر بالراحة مع صممها ولا تشعر بالنقص إزاءه إلا أن وصية أمها لها قبل الرحيل بإجراء الزراعة والقلق الذى تراه فى عينى والدها خوفًا من أن يتركها وحدها دفعها لإعادة المحاولة بعد 15 عامًا كاملة، لتنجح الزراعة وتبدأ رحلتها فى طريق السمع بعد 27 عامًا كاملة من الصمم وتوثق المذاق الجديد للحياة التى تختبرها للمرة الأولى "بالصوت والصورة"، وتبدأ رحلتها كذلك فى محاولة نشر الوعى بعمليات زرع القوقعة فى مصر وما يحتاجه أصحابها من رعاية وتأهيل.
 
تسترجع "دينا الأشرم" الكاتبة والمدونة ذكرياتها مع المحاولات الأولى وتحكى لـ"اليوم السابع": "المرة الأولى كانت فى المرحلة الإعدادية، الأطباء رفضوا الزرع وقالوا إنى لا أحتاج للقوقعة، أما المحاولة الثانية كانت فى الثانوية ووقتها وقعت حرب العراق وأجابتنى المستشفى بأنهم لن يتمكنوا من إجراء العملية لأنهم مشغولين بعلاج جرحى الحرب، أما الثالثة فتسبب ضياع ورقى من الموظفين فى رفض اللجنة الطبية لى وجاءت المحاولة الأخيرة بعد وصية أمى قبل رحيلها وإلحاح صديقة لى على ذلك، فأجريت الفحوصات وبالفعل قبلتنى اللجنة الطبية وزرعت القوقعة فى يناير 2015".
 

الخروج من الصمت.. من أول صقفة حتى صوت الأذان

"زى ما تكونى فى فرح وفى دوشة حواليكى، سامعة الدوشة بس مش عارفة تميزيها" هكذا تصف "دينا" وقع الصوت الأول على أذنيها بعد زرع القوقعة وتشرح "العملية مرحلتين، الجهاز جزء داخلى يزرع بالجراحة، وبعد شهر نرتدى الجزء الخارجى وهو يشبه السماعة الطبية ويلتصق بالجزء الداخلى عن طريق مغناطيس، لذا أول صوت سمعته بعد الزراعة كان مهندس البرمجة يضبط الجهاز ببرنامج يجعل الجهازين الداخلى والخارجى متوافقين، وكان أول صوت سمعته هو تصفيقه".
 
تضيف: المرة الأولى صفق وسألنى عن درجة الصوت وهل أسمعه أم لا، والثانية سألنى هل أشعر بالراحة مع درجة الصوت أم لا حتى نصل لدرجة مريحة لأن هناك درجات صوت متعبة تضغط على الأعصاب".
 
أما عن أكثر صوت كرهته حتى الآن تقول "دينا": "صوت صراخ النساء فى العزاء، أى عزاء بشكل عام وبشكل خاص فى وفاة عمى كرهت الصوت جدًا وأصابنى بالرعب وجعلنى عاجزة عن التنفس لدرجة أنه أغشى علىّ، ومن يومها لم أذهب أى عزاء أبدًا".
 
على الرغم من اعترافها بأنها لم تكن متحمسة فى البداية للفكرة وقالت "اللى همنى أنفذ وصية أمى وأطمن والدى اللى كان قلقان لدرجة إنه كان عامل نذر لله لو عملتها"، إلا إنها بعد إجراء الجراحة تحمست وتقول "أشعر بالسعادة كلما أسمع صوت جديد وأعرفه، قلبى يدق مع كل أذان، وأفرح فعلاً حين أكون بعيدة عن المسجد وأسمع صوت الأذان وأقول للمحيطين بى العصر يؤذن الآن، أفرح حين أسمع الإمام ونحن نصلى وأفهم ما يقوله، وحتى مشكلتى القديمة فى السجود، كنت أتعمد قبل ذلك أن يلمس كوعى جسد المجاورة لى حتى أنتبه حين يرفع الإمام رأسه فى السجود ويقول الله أكبر، فأتحرك حين تتحرك هى وأرفع رأسى".
 
عشرات التفاصيل المشابهة ترصدها "دينا" فى كل لحظة وتعيد استكشاف الحياة بشغف طفلة وهى تكون قاموسها الصوتى الذى لم يكتمل بعد رغم إجراء جراحة الزرع منذ قرابة العامين، وتقول "كل صوت يكون غير مفهوم حتى أسمعه أكثر من مرة فأفهمه وأربطه بمعناه وأعرف: هذا صوت الباب، وهذا صوت الجرس وهذا صوت التليفون وهكذا، هذا الأمر كان ممتعًا فى البداية ولكننى أحيانًا يصيبنى الملل وأحيانًا أشعر بالكآبة لأن أهم من تمنيت أن أسمع صوتهم رحلوا فأخلع القوقعة وأدخل نوبة اكتئاب".
 

"الطريق من الصمت للضوضاء".. الكتابة كمحاولة للتأهيل النفسى

فى سلسلة من التدوينات بعنوان "الطريق من الصمت للضوضاء" وثقت "دينا" كل هذه التفاصيل الصغيرة والكبيرة فى رحلتها مع زراعة القوقعة، كان لها هدفين من التوثيق هما محاولة تأهيل نفسها نفسيًا بعد الزراعة، وتقول "لا يوجد علاج نفسى لزارعى القوقعة فى مصر، على عكس العديد من الدول فى الخارج يوفروا علاجًا لهم ولأهلهم قبل وبعد الزراعة لتأهيلهم نفسيًا.. زراعة القوقعة لا تختلف عن زراعة القرنية التى يأخذ أصحابها علاجًا نفسيًا ليتأقلموا ويدركوا أنهم بإمكانهم الإبصار".
 
تضيف: "أصبت باكتئاب عنيف بعد الزراعة من الضجيج حولى، كرهت كل صوت أسمعه وكانت تصيبنى نوبات ذعر، وصديقتى طبيبة السمعيات أخبرتنى أن غالبية الزارعين البالغين لا يكملوا الطريق بسبب هذه الانتكاسات، ونصحتنى أن أعالج نفسى بالكتابة بما إنى أحبها".
 
استمعت "دينا" للنصيحة وبدأت كتابة ونشر يومياتها مع زراعة القوقعة بشكل متلاحق فى البداية ثم متباعد، وتقول "كتبت يومياتى بالأصوات الجديدة التى اكتشفتها وعندى كشكول كامل ملىء بهذه اليوميات، وكيف يزعجنى صوت نزول الماء أو خرفشة الأكياس"، وبعد هذه التدوينات بدأ يتبلور دورها الثانى "أصبحت معروفة لمجتمع الصم رغم أننى عشت 27 عامًا من حياتى صماء ولكننى لم أتعرف على أحد ضعيف السمع طول حياتى، وأصبحوا يراسلونى ويطلبون مساعدتى فى المعلومات وبدأت أحاول مساعدة زارعى القوقعة وأنشر الوعى بما يحتاجونه من رعاية طبية وتوعية وتأهيل نفسى".
 

الرعاية الطبية والنظر فى تكاليف قطع الغيار.. أبرز احتياجات زارعى القوقعة

من واقع تجربتها لمست "دينا" العديد من المشكلات التى تواجه زارعى القوقعة فى مصر، ففى حين تجرى الجراحة لنحو 1500 مصرى سنويًا تغيب الرعاية الطبية بعد الزراعة وكذلك التأهيل النفسى، وتقول "التكاليف كبيرة جدًا رغم أن التأمين الصحى يتكفل بالجزء الأعظم من تكلفة الزراعة إلا إنها تظل مكلفة، فضلاً عن تكاليف الصيانة وقطع الغيار وبطاريات شحن القوقعة، والمشكلة ليست فى التكاليف وحدها وإنما أيضًا عدم توافرها فى الأقاليم".









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة