ولا كل من ركب الحصان خيّال.. ولا كل من مسك الربابة قوال، هكذا تقول الأغنية الشعبية، هكذا سعيد حامد شحاتة.
شاعر، قوال، فارس خيال، طبعة نادرة من الموهبة المصرية الخالصة، يكتب الشعر وكأنه يتنفسه، فى أى وقت سعيد حامد شحاته جاهز، فى أى ظرف ينطق لسان الشعر قبل أن يتنطع المتنطعون، فى أى مناسبة تجد عند سعيد الشعر اليقين، فى كل واقعة كبيرة تمر بها مصر تعرف أن سعيد سيكتبها شعرا، وتنتظر هذه الأبيات الرقراقة التى يطلقها فى زفرة واحدة، دون أن تشعر ولو للحظة واحدة بشبه من تصنع.
يعيد سعيد حامد شحاتة فى قصائده المسترسلة نموذجا افتقدناه فى ثقافتنا العربية، فقديما كان يقال إن الشعر ديوان العرب، لذلك لأن الشعر كان الفن العربى الوحيد المعنى بتأريخ مظاهر الحياة والحفاظ على تقاليدها وصياغة أحلامها ومبادئها، ووصف أحداثها والتعليق عليها، لكننا تنازلنا عن هذه الميزة حينما قامت أنواع أخرى من الفنون الكتابية بهذا الدور، لكن سعيد اكتشف فى هذا الدور براحا آخر، وظل ينحت بقلمه تاريخا من الشعر الساخن المتدفق الجذاب.
بالنسبة لى فإن سعيد شحاتة هو أحد أبناء مصر الأبرار، ابن الشعر المتدفق الذى يغمر قلبك بالسخونة قبل أن يغمر وجدانك بالنشوة، هو الوريث الشرعى لكبار العامية المصرية، الذى تشم فى شعره رائحة بيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم، ولذلك فقد كان خبر مرضه بالنسبة لى مؤلما وصادما، فلم يكمل سعيد الأربعين بعد، ومن يره يدرك جيدا ما يتمتع به من عنفوان ويقظة، لكن للأسف ألم به المرض بين ليلة وضحاها، ويرقد الآن فى مستشفى كفر الشيخ الجامعى متلقيا العلاج.
أرجو منك أن تدعو الله معى أن يعيد إلينا شاعرنا الصغير الكبير سالما، يحمل الربابة ويغنى لمصر، للنيل، للشهداء، للحب الجارف والعمر الذى ينسرب، ادعُ معى أن يمتع الله ذلك البلد بأبنائه الذين يكملون مسيرة الكبار، بالصادقين الذين يشبهون سعيد شحاتة، بالواثقين من موهبتهم، بالجسورين كقصائدهم، بالذين لا يحسبون حساب شىء بقدر الشعر، بالمخلصين لعشقهم الأبدى، والمستعدين لكل موقعة، ادعُ الله معى أن يرد «أبوحامد» إلينا سالما معافى، وألا يترك المرض داخله شيئا من شر، وأن تعود إلينا ضحكته المجلجلة، وكأنها قصيدة ربانية.