إذا صح ما نقلته وكالة رويترز أمس الأول الجمعة، عن مسؤول أمريكى بأنه من المرجح أن يعترف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل فى كلمة يوم الأربعاء المقبل، فإننا سنكون أمام تطور فى غاية الخطورة، ويمثل أكبر تحدٍّ يواجه القضية الفلسطينية، حتى وأن كانت النية لدى واشنطن هى تأجيل الوعد الانتخابى الذى أطلقه ترامب قبل ذلك بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، لأن القضية لا تتعلق بفعل، قدر ارتباطها بتصرف سيؤجج الأوضاع، وسيؤثر سلباً على مسار العملية السلمية التى تسعى واشنطن لإطلاقها خلال الأسابيع المقبلة بين فلسطين وإسرائيل.
فى البداية علينا النظر إلى عدد من التصريحات المتعلقة بهذا الأمر، والصادرة عن البيت الأبيض خلال الأسبوع الماضى فقط، والتى تشير إلى تناقض فى المواقف، فقبل الخبر الذى بثته رويترز، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز أن المعلومات عن استعداد الولايات المتحدة لنقل سفارتها لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس هى معلومات «سابقة لأوانها.. لا شىء لدينا كى نُعلنه».
وجاء هذا التصريح بعد أيام من إعلان نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس أن ترامب «يفكر فعلا» بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهو التصريح الذى فهم منه أنه رسالة ترضية لإسرائيل التى طالبت على لسان وزيرين الأسبوع الماضى، ترامب، بوضع حد لما وصفاه بـ«وضع سخيف» عبر نقله للسفارة من تل أبيب إلى القدس، تلبية لوعد قطعه أثناء حملته الانتخابية.
العالم كله يدرك أن القدس هى مدينة فلسطينية، وأن إسرائيل احتلت القدس الشرقية عام 1967، وأعلنتها عاصمتها الأبدية والموحدة، فى خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولى وضمنه الولايات المتحدة، حيث ينظر المجتمع الدولى للقدس الشرقية باعتبارها مدينة محتلة، وفى محاولة لترضية اللوبى اليهودى، أقرّ الكونجرس الأمريكى فى 1995 قانونا ينص على «وجوب الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل»، وجاء فى القرار «منذ عام 1950، كانت مدينة القدس عاصمة دولة إسرائيل»، ويطالب بنقل السفارة، ومع أن القرار جاء بصيغة ملزمة، لكنه يحتوى على بند يسمح للرؤساء بتأجيل نقل السفارة لستة أشهر لحماية «مصالح الأمن القومى»، ومنذ ذلك الحين، يستغل الرؤساء الأمريكيون هذا البند بتوقيع أمر تأجيل السفارة مرتين سنويا، رغم الضغوط الإسرائيلية المتتالية، التى اشتدت منذ وصول ترامب للبيت الأبيض، التى تنتظر الخطوة الأمريكية لتقنع بها دولاً أخرى لنقل سفاراتها للقدس.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية تريد الآن أن تناور بهذا الأمر، لعدة أسباب أهمها دفع الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى للانخراط بشكل مباشر فى المفاوضات دون شروط مسبقة، لكن من الواضح أن واشنطن تبدو أنها لم تدرس الموضوع بالشكل المطلوب، فهى لم تتحسب ردة الفعل العربية والفلسطينية على هذا القرار حال صدوره عن ترامب، وأنه أبداً لن يكون حافزاً للدخول فى المفاوضات، بل سيكون السبب فى تجميد أى أحاديث عن السلام، خاصة أن الحكومة الإسرائيلية الحالية، هى الأكثر تشدداً، وتريد أن تكسب الوقت فى مفاوضات عبثية، وسيساعدها على تحقيق ذلك أذا ما قرر ترامب فعلياً الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، لأنه فى هذه الحالة سيرفض الفلسطينيون الدخول فى المفاوضات التى ترعاها واشنطن، لأنها فقدت الحيدة المطلوبة فى الطرف الوسيط.
الموقف الفلسطينى فى هذا الوضع واضح جداً، فالرئاسة الفلسطينية دائما تؤكد أن أى حل عادل للقضية الفلسطينية يجب أن يضمن القدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، وهو ما يتفق عليه كل الفلسطينيين، وهى رسالة لابد أن تكون أمام الإدارة الأمريكية قبل أن تشرع فى اتخاذ أى قرار سيكون له تداعيات سلبية على مسار القضية الفلسطينية مستقبلاً.
وأعتقد أن واشنطن تدرك أيضاً أن اتخاذها لقرار بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل سيكون سببا لتوتر فى العلاقات العربية الأمريكية، وهو ما لا تتمناه الإدارة الحالية، التى بدأت فى نسج علاقات قوية مع العرب، وتجاوز الخلافات السابقة التى افتعلتها إدارة باراك أوباما، لكن فى نفس الوقت علنيا أن نكون واعين جداً لحقيقة مهمة وهى أن إدارة ترامب تواجه وضعاً داخلياً صعباً، ربما يدفعها لاتخاذ قرار خارجى لتخفيف الضغوط الداخلية، خاصة فى قضية تدخل روسيا فى الانتخابات الرئاسة الأمريكية، التى شهدت تطورا لافتا الجمعة الماضية مع توجيه القضاء إلى مايكل فلين مستشار الأمن القومى السابق للرئيس ترامب تهمة الكذب على محققى مكتب التحقيقات الفدرالى FBI، إقراره بالذنب فى هذه المسألة، فى التحقيق الواسع النطاق الذى يجريه المدعى العام روبرت مولر حول التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية عام 2016 والروابط المحتملة بين مقربين من ترامب وموسكو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة