كبيرهم الذى علمهم الذبح .."البنا" و"قطب" يقودان الإرهاب فى2017 من الآخرة.. حسن البنا أسس تنظيمه الخاص تحت حجة مقاومة الإنجليز.. وانتهى به الوضع لقتل خصوم الجماعة.. وسيد قطب تشكلت أفكاره فى السجن بـ"كفر المجتمع"

السبت، 30 ديسمبر 2017 11:30 ص
كبيرهم الذى علمهم الذبح .."البنا" و"قطب" يقودان الإرهاب فى2017 من الآخرة.. حسن البنا أسس تنظيمه الخاص تحت حجة مقاومة الإنجليز.. وانتهى به الوضع لقتل خصوم الجماعة.. وسيد قطب تشكلت أفكاره فى السجن بـ"كفر المجتمع" "البنا" و"قطب" يقودان الإرهاب فى2017 من الآخرة
كتب محمود حسن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- الساذج الذى صار زعيما لجماعة إرهابية

 
-امتاز البنا بشخصية «متسلطة» من الصغر ورأى مجتمعه من حوله «منحرفا» يبتعد عن الأخلاق القويمة 
 

- انهيار «الدولة العثمانية» خلق أزمة نفسية لدى مؤسس الجماعة الإرهابية

 
شهد العالم فى عام 2017 العديد من الحوادث الإرهابية التى راح ضحاياها المئات من الآمنين، لا فرق بين عربى أو أجنبى، مسلم أو مسيحى، سيارة تدهس هذا ورصاصة تقتل ذاك.
 
وكان حسن البنا مؤسس الجماعة الإرهابية، ومنظرها سيد قطب قد تصدرا مشهد الحوادث الإرهابية خلال هذا العام، حيث حكما الدنيا من الآخرة إرهابا، عبر السموم التى بثاها فى حياتهما وهما حسن البنا، وسيد قطب، مؤسس الجماعة ومنظرها الفكرى، هؤلاء الذين عبر أفكارهما عاشت مصر كثيرا من الأوقات العصيبة، فالتنظيم الإخوانى الذى أسسه البنا مازال عدوانه الآثم على المصريين قائما، والأفكار التى نثرها سيد قطب مازالت تحظى باهتمام بين كل جماعات العنف كافة بداية من الإخوان وحتى داعش.
 
 
مضى هؤلاء وفارقوا عالمنا إلى عالم آخر، لكن عالمنا مازال متأثرا بهم، حتى أن هذا العام 2017 يمكننا أن نقول وبكل ثقة، إنه العام الذى حكمه أموات من قبورهم.
 
فى كتابه «شخصية مصر» يقول المفكر الكبير جمال حمدان، إن واحد من أخطر عيوب مصر هى أنها تسمح للرجل الصغير بأكثر مما ينبغى وتفسح له مكانا أكبر مما يستحق، الأمر الذى يؤدى إلى الركود والتخلف وأحيانا العجز والفشل والإحباط، إن كان من شخص تنطبق عليه هذه الجملة أكثر من غيره فهو بالطبع حسن البنا، ذلك الرجل الذى كانت أفكاره شديدة السذاجة السطحية، لكنه مازال مؤثرا حتى يومنا هذا، هو الرجل الذى أرقت أفكاره بعدما أضاف لها من بعده إرهابا فوق إرهاب.
 
لا يحتاج الأمر لشتائم مرسلة، أو اختراع قصص وهمية لنعرف عن حسن البنا وشخصيته السطحية، فكل ما نحتاج أن نعرفه عن تلك الشخصية السطحية يمكننا أن نجده فى كتابه «مذكرات الدعوة والداعية»، والتى يحكى فيها قصة حياته، وما نريد أن نعرفه عن أفكاره يمكننا أيضا أن نجدها فى «رسائل البنا» وهى الخطابات التى كان يوجهها لأفراد جماعته حول القطر المصرى، أو يلقيها ككلمات فى المركز العام للجماعة، أما إذا أردنا أن نعرف مأزقه فليس أفضل من القراءة لمن عاصروه من الإخوان مثل محمود عبدالحليم، وكتابه «الإخوان المسلمين أحداث صنعت تاريخ»، أو صلاح شادى ومذكراته «حصاد العمر».
 

حسن البنا.. الفتى الساذج الخطير

 
فى مذكراته الشخصية يحكى حسن البنا عن طفولته، ومن حديثه نفسه يعطينا فكرة عن الطفل الذى أراد أن يغير العالم، فيقول «مررت ذات يوم على شاطئ نهر النيل، فلاحظت أحد أصحاب السفن قد علق فى سارية السفينة تمثالا خشبيا عاريا، فهالنى ما رأيت وذهبت فورا إلى ضابط النقطة وقصصت عليه القصص مستنكرا، فقام معى من فوره وهدد صاحب السفينة وأمره أن ينزل التمثال فى الحال وقد كان»، أعجب البنا بشجاعته وإقدامه فأسس مع أصحابه جمعية سماها «جمعية منع المحرمات»، فما كان دور هذه الجمعية إذن؟ يقول البنا: «وكان دور هذه الجماعة مراقبة الناس، ومن رأينا أنه يرتكب بعض الآثام أو لا يحسن أداء العبادة على وجهها أرسلنا له خطابا فيه نهى شديد عن المنكر، ومن قصر فى الصلاة ولم يخشع فيها وصله خطاب أيضا، وإذا رأينا امرأة تلطم وجهها فى ميتم أرسلنا لها خطاب نهى». قد يرى القارئ أن هذا أمر جميل من باب «الحض على المعروف والنهى عن المنكر»، لكن حسن البنا حين يستكمل يوضح لنا ما المشكلة، فيقول: «وهكذا ما كان أحد من الناس صغيرا أو كبيرا إلا وصله خطاب من الجمعية ينهاه أشد النهى عما يفعل من آثام»، وهنا تكمن شخصية حسن البنا مراهقا وشابا ورجلا كبيرا، هو الرجل الذى رأى المجتمع كله «منحرف» وغير سوى، يصله كله خطابا ينهاه عن آثامه، هذه هى البذرة التى زرعها حسن البنا فى جماعته، ومازالت عليها، فكل من ليس منا هو شخص يرتكب آثاما وذنوبا، ووجب توجيهه للطريق الصحيح.
 

الشاب الذى ضاعت «خلافته»

 
كان من نتائج الحرب العالمية الأولى أن سقطت «الخلافة العثمانية» تلك الخلافة التى لم تكن فى واقع الأمر على كثير من الأقطار العربية سوى خلافة اسمية، لكنها كانت فى واقع الأمر رمزا لسلطة «دينية» متوارثة عبر أجيال هى بلا قيمة فى كثير من الأحيان حقيقية، لكنها سلطة روحية مهمة، فجأة انتهت من على وجه الأرض، كان هذا حدث ضخم غير العالم بحق، وأوغر فى نفوس الكثيرين ممن حملوا الرؤية الرومانسية الإسلامية، وواحد من هؤلاء كان حسن البنا، والذى كان قد انتقل وقتها إلى القاهرة للدراسة فى كلية دار العلوم، حاملا معه أفكاره الصادمة الرافضة أصلا للمدينة، والتى كان من بينها مثلا رفضه ارتداء «البذلة» حيث ظل حتى السنة الثالثة من الجامعة يذهب إلى الكلية بـ«الجلباب» اعتقادا منه أن «البذلة» فعل غربى لإخراج المجتمع عن هويته.
 
 

 
 
فى كتابه «مذكرات الدعوة والداعية»، يقول البنا عن تلك المرحلة من حياته: «كنت متألما لهذا أشد الألم فها أنا ذا أرى أن الأمة المصرية العزيزة تتأرجح حياتها الاجتماعية بين إسلامها الغالى العزيز، الذى ورثته وحمته، وألفته وعاشت به واعتز بها أربعة عشر قرنا كاملة، وبين هذا الغزو الغربى العنيف المسلح المجهز بكل الأسلحة الماضية الفتاكة من المال والجاه والمظهر والمتعة والقوة ووسائل الدعاية، وكان ينفس عن نفسى بعض الشىء الإفضاء بهذا الشعور إلى كثير من الأصدقاء الخلصاء من زملائنا، وكان هؤلاء جميعا يتحدثون فى وجوب القيام بعمل إسلامى مضاد، وكنا نجد فى ذلك ترويجا عن النفس وتسلية عن الهم».
 
الألم ظل فى نفس البنا طويلا حتى أنه بعد سنوات وفى خطاب وجهه إلى مصطفى النحاس، عام 1936، اعترض البنا على تصريحات قالها النحاس لوكالة الأناضول التركية وامتدح فيها كمال أتاتورك، ففى خطابه للنحاس يقول البنا «الحكومة التركية قلبت نظام الخلافة وحذفت القانون الإسلامى، وحكمت بالقانون السويسرى، والله تعالى يقول من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، وأنت قلت إنكم تعجبون بكمال أتاتورك، فهل يفهم من هذا أن النحاس باشا وهو الزعيم المسلم يوافق أن يكون لأمته برنامج مثل كمال أتاتورك، مثل هذا التصريح يتخذه كل ذى هوى إلى غايته».
 
البحث عن «الخلافة الضائعة» كان هو الأمر الذى اهتم به حسن البنا أكثر من أى شىء آخر، إعادة الخلافة هى الكلمة التى زرعها فى وسط جماعته التى سيؤسسها لاحقا، والتى سنظل نسمعها حتى يومنا هذا حين تعود لتسأل نفسك عن تصورات الجماعة أو البنا نفسه عن «الخلافة» حين تقرأ فى أدبياتهم فإنك على الأرجح لن تجد أى شىء يتكلم عن نموذج الخلافى المبغى، هو حلم فى المطلق لا يقوم على شىء ولا ينبنى على تصور حقيقى.. هو شعار لا يعرف أصحابه كيف الوصول له. الإسماعيلية.. المدينة التى غيرت شكل حياة البنا.
 
حين تخرج حسن البنا من الجامعة جاءه التعيين فى مدينة الإسماعيلية، والتى لم تكن فى ذلك الوقت سوى مدينة صغيرة تدار من خلالها قناة السويس، لكنها كانت مقسومة بين فئتين من البشر، الأول هم «الإفرنج» من قادة هيئة قناة السويس ومديريها وهم الذين مازال الحى الأنيق يحمل اسمهم حتى اليوم فى الإسماعيلية، و«المصريون» أو كما سماهم حسن البنا «المسلمون»، وهؤلاء من صغار العاملين البسطاء فى القناة والذين عانوا كبقية المصريين فى حينها من وجع الاستعمار واستبداد الملكية ورسخوا فى الفقر المدقع، لكن البنا لم ينظر إلى الأمر من بوابة الاستغلال الطبقى، بل نظر إليه من باب إنهم يفعلون هذا فى إطار «المؤامرة على الإسلام».
 
أطلق حسن البنا دعوته الأولى لتأسيس جمعية لنشر ما أسماه وقتها بالدعوة الإسلامية عبر الطواف على مقاهى المدينة ومخاطبة المواطنين الجالسين عليها متحدثا عن «الإسلام» وكيف أننا عندما تركنا الإسلام هٌنا على غيرنا، لم يكن حديث البنا غريبا، بل هو حديث طالما تردد صداه فى صفوف المسلمين منذ نهايات القرن الثامن عشر، لذا فلم يستجب للبنا سوى 6 أشخاص جلسوا معه وقرروا أن يؤسسوا جماعة دعوية خيرية.
 
أما هؤلاء الستة فكانوا، حافظ عبدالحميد «نجار»، أحمد الحصرى «حلاق»، فؤاد إبراهيم «مكوجى»، عبدالرحمن حسب الله «سائق»، إسماعيل عز «جناينى»، زكى المغربى «عجلاتى»، وببساطة فإذا نظرنا لهؤلاء المؤسسين لتلك الجماعة فلم يكن هؤلاء سوى مجموعة من الأشخاص البسطاء ككثيرين من أبناء الشعب المصرى فى تلك الفترة الذين لم يتح لهم حظ جيد من التعليم.
 
كان البنا رجلا دؤوبا وفصيحا حلو اللسان، وهو ما جعل جماعته تكبر يوما بعد يوم، واستطاع بمواءمات هنا وهناك لكى يضخم حجمها، فهو مثلا يبتز الأغنياء من أجل جمع التبرعات، وكذلك يبتز هيئة قناة السويس، إلى أن انتقلت الجماعة إلى القاهرة، فى الثلاثينات وكان انتقالها كبيرا وقويا.
 
أما أول ما فعله البنا للإعلان عن جماعته، فكان رسائله إلى الملوك ورؤساء الدول والتى أسماها بـ«رسائل النور»، وهى رسائل صاغها بنفسه يطلب فيها من القائمين على أمور الدول الإسلامية عدة طلبات، منها: «إعادة النظر فى مناهج تعليم البنات والتفريق بينها وبين مناهج الصبيان، مراقبة أفلام السينما والتشديد فى اختيار الروايات والأشرطة، مصادرة الروايات المثيرة والكتب المشككة المفسدة، تحديد مواعيد افتتاح وإغلاق المقاهى ومراقبة ما يشتغل به رواده، مقاومة العادات الضارة اقتصاديا كالأفراح والمآتم والموالد والزار والمواسم والأعياد!».
تدل طلبات البنا الأولى على شخصه المتطرف بشكل كبير، الرجل يطلب إلغاء الأفراح والمآتم، ويطالب بمراقبة رواد المقاهى ومصادرة الكتب، والتفرقة بين البنات والصبيان فى مناهج التعليم، إنه نفس المنطلق الفكرى المتطرف الذى مازلنا نسمعه حتى يومنا هذا من أطراف سلفية وإخوانية تحت دعوى «التدين».
 

الإخوان يحملون السلاح

 
جرى فى الأمور الكثير والكثير خلال الأربعينات، والرجل الذى كانت رؤيته لعودة «الخلافة» تبدأ من مراقبة الجالسين فى المقاهى، امتلك جماعة كبيرة حقا، وأصبح له أتباع، وأصبح له أيضا جهاز خاص، يحمل السلاح، ويقوم عليه رجل صعب المراس يدعى عبدالرحمن السندى، وقرر هذا الجهاز أن يخوض نضاله المسلح المزعوم.
 
أول ما فعله التنظيم الخاص كان تفجير النادى البريطانى عام 1945، وسريعا تورط التنظيم فى عمليات إرهابية، فنسف شركة الإعلانات الشرقية، ووضع قنابل فى 6 أقسام شرطة، فى كتابه «حصاد العمر» يروى صلاح أبو شادى أحد أعضاء الجماعة أهم الجرائم التى ارتكبها التنظيم المسلح فيقول ما بين عامى 1946 و1948 والذى زادت عن 50 عملية فى كل مصر نالت من رجال شرطة وخصوم فكريين وسياسيين، ومواطنين عاديين، وهكذا تحولت الجماعة إلى قوة إرهابية ضاربة وخطيرة، وفقد البنا نفسه السيطرة عليها، وفى 12 فبراير سنة 1949 تلقى البنا استدعاء مجهولا إلى المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين قبل غروب شمس هذا اليوم، وبينما كان يهم بركوب سيارة الأجرة التى كان يستقلها صهره عبدالكريم منصور، أطفأت أنوار شارع الملكة نازلى والذى أصبح فيما بعد شارع رمسيس وأطلق عليه المخبر أحمد حسين جاد الرصاص، فوقع على السلم ثم حاول أن يطارد سيارة الجناة، لكنه لم يستطع، فرفع سماعة التليفون وطلب عربة الإسعاف بنفسه تليفونيا وحملته العربة إلى قصر العينى حيث لقى هناك مصرعه بسبب النزيف الذى لحقه من إصابته.
 

القاتل من قبره بعد 52 عاماً على إعدامه

 
أيمن الظواهرى فى كتابه «الوصية الأخيرة» يؤكد: «لقد كانت وما زالت دعوة سيد قطب شرارة البدء فى إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام فى الداخل والخارج»
 
بعدما سقطت الموصل فى يد تنظيم «داعش» الإرهابى عام 2014، كانت مقولات سيد قطب فى كتابه المؤسس لفكره «معالم فى الطريق» تملأ شوارع المدينة، واقعة ليست بالجديدة على اتباع كل الجماعات الإرهابية، وليس أدل على ذلك من قول «أيمن الظواهرى» فى كتابه «الوصية الأخيرة» من العبارة التى قال فيها: «لقد كانت وما زالت دعوة سيد قطب شرارة البدء فى إشعال الثورة الإسلامية ضد أعداء الإسلام فى الداخل والخارج».
 

 
هذا الرجل عاد للحياة من جديد عام 2017، بعد أن خرج إلى النور فى رمضان مسلسل «الجماعة 2»، الذى يحتل فيه سيد قطب دورا بارزا، خاصة بعد الأداء البارز للفنان «محمد فهيم»، وهو ما أعاد للوجود مرة أخرى سيد قطب بعد غياب عن الساحة الفكرية.
 
عجيبة هى رحلته فى الأساس، فقد كان ناقدا أدبيا شهيرا، حتى أن نجيب محفوظ فى حواره الذى نشره رجاء النقاش والمنشور فى كتاب عنوانه «فى حب نجيب محفوظ»، ينسب له الفضل فى أنه أول ناقد التفت إلى كتابات نجيب محفوظ وموهبته الأدبية، هذا الناقد كان على موعد عام 1948 ليسافر فى بعثة لوزارة المعارف إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفى العام التالى وهو نفس عام اغتيال حسن البنا صدر لسيد قطب كتاب تحت اسم «العدالة الاجتماعية فى الإسلام»، وهو الكتاب الذى كتب فى مقدمته إهداء قال فيه: «إلى الفتية الذين ألمحهم فى خيالى قادمين يردون هذا الدين جديدا كما بدأ ويجاهدون فى سبيل الله لا يخافون لومة لائم»، كان شباب جماعة الإخوان المسلمين فى حالة نفسية متردية بعد مقتل زعيمهم، وبطريقة ما وقع الكتاب فى يد أحدهم الذى اقتنع بأن الفتية الذين عناهم سيد قطب هم الإخوان، وبشكل ما انتشر الكتاب بين أبناء الجماعة الذين احتفوا به وفى اعتقادهم أن هذا الرجل كان يعنيهم بإهدائه، وحين عاد سيد قطب من الخارج عام 1950 بعد نهاية بعثته بدأ شباب الجماعة التى كانت مفككة فى ذلك الوقت بزيارته والحديث معه عن الكتاب.
 
عن طريق «الخطأ» وقع الإعجاب بين قطب والجماعة، وفى وقت كانت الجماعة تحاول لملمة شتات نفسها من مشكلات الانقسام الداخلى قرر سيد قطب عام 1953 الانضمام إلى الجماعة، ذلك الانضمام الذى لم يهنأ به كثيرا، فاعتقل فى أول يناير عام 1954، ثم أفرج عنه بعدها بشهرين، ثم جاء حادث المنشية فى 26 اكتوبر 1954 ليدخل سيد قطب إلى السجن، وهو متهم بأنه عضو فى التنظيم الخاص، رغم أنه أنكر هذا بشدة وقتها.
 
حكم على سيد قطب بالسجن 10 سنوات، على جريمة انضمامه لعام واحد فقط لجماعة الإخوان المسلمين، وفى السجن أخذ قطب يتساءل لماذا انتكسنا هذه الانتكاسة وكان بيننا وبين الحكم خطوة واحدة فقط، وهو الأمر الذى دفع بقطب للذهاب إلى الأفكار المتطرفة يوما بعد آخر، فيقول فى مذكراته التى نشرت بعد موته تحت عنوان «لماذا أعدمونى»، أن وقف نشاط جماعة الإخوان ساعد على نشر الإلحاد والانحلال الاخلاقى فى المجتمع، معتبرا أن القضاء على جماعة الإخوان حاليا يعد عملا فظيعا يصل لحد الجريمة.
 
فى عام 1957 وقعت أعمال شغب قادها الإخوان ضد حرس السجن، أسفرت عن مصرع 21 إخوانيا، بعدها تم تفريق الإخوان الموجودين فى سجن ليمان طرة إلى عدة سجون، أما فى سجن ليمان طرة فلم يبقَ سوى شخصين، هما «سيد قطب» و«محمد يوسف هواش»، وبدأ هواش وقطب يراجعان سبب ما وصلوا إليه، وما سموه بـ«مذبحة ليمان طرة»، وفى النهاية كانت خلاصة النتيجة التى يقولها قطب: «الحركة الإسلامية اليوم تواجه حالة شبيهة بالحالة التى كانت عليها المجتمعات البشرية يوم جاء الإسلام أول مرة من ناحية الجهل بحقيقة العقيدة الإسلامية».
 
 
 
ببساطة وفى سطور معدودة وضع سيد قطب نظرته للعالم الإسلامى كله، هو موجود فى حالة من الجاهلية تشبه جاهلية «أبولهب وأبوجهل»، وبهذا التصور بدأ سيد قطب مشواره المهلك، فى عام 1962 كان سيد قطب قد انتقل إلى سجن القناطر، كان بهذا السجن مستشفى كبير ومركزى، وكان رواد السجون الأخرى ينتقلون لهذا السجن فى حال إصابتهم بمرض لا تستطيع العيادات الداخلية علاجه، وبهذه الطريقة بدأ سيد قطب المعزول مع يوسف هواش فى استقبال الآخرين من السجون الأخرى، إذ كان كل ما عليك أن تدعى المرض، ليتم نقلك إلى مستشفى سجن القناطر، فتمضى هناك أسبوعا تلتقى فيه سيد قطب فيشرح عليك أفكاره.
 
فى خلال الفترة من 1962 وحتى 1964 قدم إلى سجن القناطر مئات من الإخوان المتشوقين للاستمتاع إلى الأفكار الجديدة، وبدأ قطب فى تقسيم هؤلاء إلى مجموعات واختيار كتب لهم كى تكون منهجا يدرسونه، وفى النصف الثانى من عام 1964 خرج سيد قطب من سجنه، وبدأ يلتقى هؤلاء الذين كانوا معه فى السجن من الخارج.
 
وضع قطب خارج السجن تصوره لتنظيمه الجديد فى 6 نقاط، أما النقطة السادسة فكانت الأخطر، إذ إنها تنص على: «تجب حماية هذه الحركة وهى سائرة فى خطواتها هذه بحيث إذا اعتدى عليها وعلى أصحابها يرد الاعتداء، ويجب أن تترك تؤدى واجبها وألا يعتدى عليها وعلى أهلها، فإذا وقع الاعتداء كان الرد عليه من جانبها».
 
ما يفرق حسن البنا عن سيد قطب أن البنا كان دائم التهرب من جرائم التنظيم الخاص، فيكتب مرة يهجوهم، ومرة أخرى يقول أنه لام المعتدين، لكن سيد قطب ليس كذلك، لقد أصل سيد قطب فى كتبه وبشكل واضح لأفكار العنف فلم يعد مجرد تنظيم يزعم أنه مارق عن سيطرته، بل هو تنظيم له أدبياته المكتوبة والواضحة التى تكفر المجتمع، فى هذا يقول: «خرجت من السجن، وفى تصورى صورة خاصة محددة لما يجب أن تكون عليه أية حركة إسلامية فى الظروف العالمية والمحلية الحاضرة وصورة لخطوات المنهج الذى يجب أن تسير عليه فالمجتمعات البشرية بجملتها قد بعدت عن فهم وإدراك معنى الإسلام ذاته، ولم تبعد فقط عن الأخلاق الإسلامية، والنظام الإسلامى، والشريعة الإسلامية».
 
عمل سيد قطب على وضع نظامه الجديد، وفى المقابل عمل أيضا مع أفراد الجماعة على التدريب على السلاح، وبالفعل وكما يروى فى مذكراته بدأت مجموعة تتدرب على صناعة القنابل المحلية، فيما كانت مجموعة أخرى تعمل على استيراد شحنة سلاح ضخمة.
 
وبدأت مجموعة سيد قطب فى وضع خطة لما أسماه بـ «إزالة الرؤوس»، وكانت الخطة تقتضى بأنه وفور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم أن يقوم التنظيم على الفور بعمليات اغتيالات فى مقابل الاعتقالات على أن تطال هذه الاغتيالات، وفقا لأوراق سيد قطب: «رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة ومدير مكتب المشير ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربى، ثم نسف لبعض المنشآت التى تشل حركة مواصلات القاهرة وفى خارجها كمحطة الكهرباء والكبارى».
 
لم يكتف سيد قطب فقط بوضع أفكاره التنظيمية، بل أصل لها فى كتابه «معالم فى الطريق» الذى هو بمثابة «دستور» الإرهابيين، ليتكلم عن تصوره عن جاهلية المجتمع، وكيفية تقويم هذه الجاهلية، ولأول مرة يقدم «سيد قطب» مصطلحا جديدا سيبزغ فى التاريخ فيما بعد هو «الإسلام الجهادى»، وهو المصطلح الذى هدفه حسبما يقول سيد قطب: «انتزاع سلطان الله المغتصب ورده إلى الله، وطرد المغتصبين له».
 
يحكى على عشماوى، المتهم رقم 3 فى قضية تنظيم سيد قطب، والذى حكم عليه بالإعدام شنقا قبل أن يخفف الحكم إلى المؤبد فى كتابه «تاريخ التنظيم السرى لجماعة الإخوان المسلمين»، استعدادات سيد قطب لتنفيذ أفكاره فيقول: «قام الشيخ عبدالفتاح بالاتصال ببعض الإخوة من طنطا وهو الأخر «أحمد سلام» وكانت له علاقة بالجيش فأحضر بعض الأسلحة والقنابل اليدوية من هناك، اضطررنا لشراء بعض الكتب والمراجع الخاصة بصناعة المفرقعات حتى أننى لجأت إلى مكتبة السفارة الأمريكية للبحث عن هذه الكتب، ووجدت بعضها ونقلت منها بعض الموضوعات، واستعنا أيضاً ببعض الكتب التى اشتريناها من الأسواق، وكان بحثنا كله يجرى فى اتجاه صناعة مادة TNT شديدة الانفجار».
 
ويستكمل على العشماوى فى مذكراته الكاشفة: «عملت الترتيبات لدراسة بعض المنشآت التى سوف يتم نسفها أو تدميرها أو وقفها عن العمل، حتى أننى ذهبت مع أحد المهندسين، ويدعى «الأخ يحيى» لزيارة محطة شمال القاهرة، ونظر إليها الأخ يحيى وشاهد جميع المولدات التى بها، وقال إن وقفها عن العمل عملية سهلة جدًا، وأنه هو الذى سيتولى هذه العملية إن أردنا له ذلك، وقد كان، كما كان هناك ترتيب آخر لوقف محطة جنوب القاهرة حتى نضمن الإظلام الكامل للمدينة، وفى جنح الظلام يتم تنفيذ باقى المخططات، واتفق على أن يتم الهجوم على عسكر الدورية الموجودين فى الشوارع، وأن يتم الاستيلاء على أسلحتهم وبهذا نستطيع الحصول على السلاح فى الليلة نفسها التى تكون بها المجموعات فى أعمالها التنفيذية».
 
لكن أنباء التنظيم فاحت ريحتها، وبدأت الوشاية به وشعر سيد قطب بدنو الكارثة فبدأ ينكر على المجموعة تجميع السلاح والتدريب على المتفجرات، وفجأة نفى سيد قطب صلته بالسلاح وقال لعشماوى إنه لم يأمره بتسلمه، فبدأ العشماوى يشعر بالصدمة فيقول: «أحسست بإحباط شديد وخيبة أمل كبيرة. فقد كان الأستاذ سيد قطب بالنسبة لى المثل الكبير للقائد والمفكر والفيلسوف وكنت متأثرًا به إلى حد كبير. ولكنه بعد أن أنكر ما قاله لى سقط فى نظرى».
 
لا تستمر المفاجآت التى يطرحها عشماوى فى مذكراته إلى هذه النقطة، بل يستكمل: « أحسست أننى قد ضيعت عمرى، وضيعت حياتى وسرت بعيداً فى طريق خطأ. فقد «انكسرت» فى نفسى أمور كثيرة وجاء وقت صلاة الجمعة، فقلت له: دعنا نقم ونصلى وكانت المفاجأة أن علمت ولأول مرة أنه لا يصلى الجمعة، وقال: إنه يرى أن صلاة الجمعة تسقط إذا سقطت الخلافة، وأنه لاجمعة إلا بخلافة».
 
لكن تنظيم سيد قطب بدأ فى الإنهيار سريعا، وألقى القبض عليه وعلى كل أفراده الذين اعترفوا داخل السجن، ليتم اكتشاف كم كانت المؤامرة كبيرة حتى أنها كانت تستهدف اغتيال جمال عبدالناصر نفسه، وفق ما قاله على عشماوى عما قالته له «زينب الغزالى» فى اللقاء الأخير الذى جمعهما معا حين قالت له نصا: « لابد من تنفيذ العمليات، وأن الأستاذ المرشد قد باركها ولابد من قتل عبدالناصر بأى ثمن».
 
أعدم ثلاثة من تنظيم سيد قطب هم سيد قطب نفسه، ويوسف هواش، وعبدالفتاح إسماعيل، ونفذ الحكم فى يوم 29 أغسطس عام 1966، لكن ما تركه سيد قطب من تركة فكرية مضطربة، أهمها كتابه الذى كتبه فى الفترة التى خرج منها من السجن وهو «معالم فى الطريق» بقى ذخيرة فكرية خطيرة تتوارثها الجماعات الإرهابية واحدة تلو الأخرى، وبات عاديا مثلا أن تشهد فى كلمات أسامة بن لادن، أو أيمن الظواهرى، وحتى أبو بكر البغدادى استشهادات من كتابات سيد قطب.
 
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة