ذهب الدكتور طه حسين والدكتور مصطفى عبدالرازق إلى فندق شبرد بالقاهرة للقاء شاعر الهند وفيلسوفها «طاغور»، حاملا جائزة نوبل عام 1913، وكان فى زيارة لمصر منذ 27 نوفمبر 1926، وأسفر اللقاء عن موضوع صحفى نادر، نشرته «السياسة» الأسبوعية يوم 4 ديسمبر «مثل هذا اليوم» 1926، وجرى اللقاء بعد شهور من العاصفة التى هبت على طه حسين بسبب كتابه «فى الشعر الجاهلى» حسب تأكيد «نبيل فرج» فى «الأهرام 25 أكتوبر 2013»، ويعتبر الكاتب الصحفى «أنور عبداللطيف»، أن هذا لقاء نادر فى تاريخ الصحافة المصرية، يجسد نموذجا لأحد فنون التحرير الصحفى وهى المقابلة الوصفية، التى تجسد آخر عهود الثقة فى الكلمة كرسالة وأداة لنقل المكان والانفعالات وأغوار النفس إلى حجر القارئ «الأهرام- 17 مايو 2016»، ويشمل هذا الوصف الحجرة التى جرى فيها اللقاء، ووصف لطاغور.
وفى سؤال عن الأسباب التى جعلت مسلمى الهند مستعصين على حركة التجديد؟ أجاب طاغور: «هى فيما أظن أسباب متصلة بالتربية التى يتلقاها مسلمو الهند، والتى تخضع خضوعا شديدا جدا لتأثير شيوخهم من رجال الدين «ملا»، فقد وصل هؤلاء الشيوخ مع مرور الزمن وما لهم على النفوس من سلطان إلى إقناع الهندى المسلم بأنه يستطيع أن يجد فى نفسه وفى كتبه وتقاليده كل ما يحتاج إليه من دون أن يضطر إلى غيره فى أمر من الأمور، وإذا اقتنع الإنسان هذا الاقتناع فليس من اليسير أن يعترف لغيره بفضل أو أن يشعر بالحاجة إلى غيره، على أن مسلمى الهند قد بدأوا يتطورون من هذه الناحية تطورا مهما، يكون بطيئا شاقا فهو واقع، ولا بد أن يؤدى إلى نتائجه الطبيعية».
وفى سؤال: ألم تفكر فى توحيد ما بين المسلمين وغيرهم من أهل الهند من الناحية الدينية؟ أجاب فى قوة وشدة: كلا، ما فكرت فى ذلك وما ينبغى أن يفكر فيه أحد، فذلك يضر أكثر مما ينفع، ولا يعود على الإنسانية إلا بالخسارة الشديدة، فأنتما تعلمان أن الدين إنما هو لون من ألوان التعبير الإنسانى عن العواطف والميول والمثل العليا، وأن هذا اللون من ألوان التعبير متصل أشد الاتصال بأمزجة الأفراد والأمم ممثل لها تمثيلا صادقا قويا، فمن الثروة الإنسانية أن تحتفظ بهذه الألوان المختلفة التى عبرت بها الأمم والشعوب عن عواطفها وميولها وطموحها إلى الحق الذى لا حد له، ومن يحاول محو دين من هذه الأديان، إنما يبدد نوعا ما شيئا من هذه الثروة القيمة التى يجب أن تحرص عليها الإنسانية. إنك لا تستطيع أن تستغنى بدين عن دين، لأن لكل دين كما قلت مظهرا قويا لمزاج الأمة التى تدين به، وهو طريق من الطرق التى تسلكها الإنسانية إلى الجمال والحق والمثل الأعلى. فكر فى المسيحية تجدها ديانة إنسانية بمعنى أنها تلتمس الحقيقة المطلقة من الطرق الإنسانية الصرفة، وفكر فى ديننا نحن أهل الهند، تجده دينا كونيا بمعنى أنه يلتمس الحقيقة المطلقة من طريق الكون السماوى وما فيه من العجائب والآيات، يجب أن تحتفظ كل أمة بدينها بل يجب فوق ذلك أن تحتفظ الإنسانية بدياناتها جميعا.
سأل «حسين» و«عبدالرازق»: «لكنك ترى من غير شك أن الإنسانية فى حاجة إلى أن يتحد مثلها الأعلى، وإذا لم تستطع الديانات أن تمثل هذا المثل الأعلى المشترك فما السبيل إليه؟ أجاب طاغور: «المثل الأعلى للإنسانية يجب أن يكون واحدا، ويجب أن يكون مشتركا، ولن يؤثر اختلاف الديانات فى هذا المثل الأعلى، من حيث أنه واحد مشارك تتعاون الإنسانية كلها على طلبه والسعى إليه، ذلك أن هذا المثل سيظل واحدا وإن اختلفت الطرق إليه، وما الديانات المختلفة إلا طرق متباينة ولكنها متحدة الغاية، تنتهى كلها إلى هذا المثل الأعلى الواحد المشترك، وقد رأيتما أن الحقيقة المطلقة التى هى مثلنا الأعلى لا حد لها، ولا سبيل إلى استيعابها، فالمسيحية تنتهى بأهلها إلى ناحية من أنحاء هذه الحقيقة، وديانتنا الهندية تنتهى إلى نفس هذه الحقيقة، ولكن من ناحية أخرى وهلم جرا، وما دامت الديانات كلها سبلا إلى هذه الحقيقة المطلقة، وما دامت فى الوقت نفسه متصلة أشد الاتصال بأمزجة الأفراد، والجماعات تمثلها أقوى تمثيل وأصدقه، فلا خير مطلق فى محاولة محو بعضها أو إضعافه أو تقوية بعضها دون بعض».
طه حسين والشيخ مصطفى عبدالرازق وشاعر الهند طاغور
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة