حينما اجتمع قادة الدول العربية عقب غزو العراق للكويت وتناثرت أنباء عن وقوع اشتباكات بين القادة العرب خرجت بعض الصحف الأوروبية بمانشيت على درجة كبيرة من الصدق، ودرجة كبيرة من الوقاحة، فقد وصفت هذه الصحف الدول العربية بأنها «قبائل لها أعلام» لتعرى بهذا الوصف تلك الحالة المربكة من الازدواجية العربية، بين المظهر المدنى، والجوهر القبلى، ذات الأمر فعله الشاعر العربى الكبير «نزار قبانى» حينما قال «خلاصة القضية توجز فى عبارة .. لبسنا قشرة الحضارة.. والروح جاهلية» وفى اعتقادى أن تلك «الجاهلية القبلية العصبية» هى «أُس» كل شر فى عالمنا العربى، بداية من انتشار الفساد والإفساد والاستبداد، وحتى آخر الوقائع المفزعة التى وقعت أمس فى اليمن «السعيد» الذى شهد مقتل الرئيس السابق على عبد الله صالح.
ستقول وما علاقة هذه القبيلة بهذا الحادث المروع؟ وسأقول لك إن العلاقة أشد ما تكون بين الأمرين، فقد تطور الفكر البشرى فى العالم كله، وأصبحت مفردة «اغتيال رئيس» أو «زعيم» أو «حاكم» أو «مسؤول» من مفردات العصور البالية، لماذا؟ لأن الدولة المدنية لا تعتمد فى تكوينها العميق على الأشخاص من الأساس، اعتمادها الأول والأخير، على الأفكار، البرامج، المشاريع، المبادى، النظريات، أما فكرة الاعتماد على القبيلة أو المذهب أو الدين أو العرق أو الوراثة فى الحكم فتلك أصنام هدمها العالم منذ زمن بعيد.
حكمت القبيلة اليمن منذ القدم، ولما دخلت إلى العصر الحديث لم تتخل عن تلك القبلية المزمنة، ولما اشتعلت انتفاضة اليمن فى 2011 تاه المجتمع اليمنى وتاهت النخبة اليمنية، استبدلوا القبلية الدينية المذهبية بالقبلية العرقية دون أن تقضى عليها أو تحل محلها تماما.
نتيجة لما سبق رأينا ما نرى، اشتعال فى كل مكان، لا تعرف من يقاتل من، ومن يقف مع من، ومن يناصر من ومن يعادى من، علاقات مشتبكة، تختفى فيها تماما فكرة الانتماء إلى اليمن، وتتجلى فيها تماما فكرة الانتماء إلى الفوضى، فإن كنت تريد حقا أن تعرف الفوضى بصدق فلن يخرج تعريفك عن كونها خروجا على القانون العام للدولة، ويصبح التعريف «عبثيا» إذا ما عرفنا أنه فى حالة الكثير من الدول العربية لا وجود أصلا لفكرة «القانون».