استكمالاً للحديث عن فرص قيام حرب مع إيران، وتأثير ذلك على الوضع فى لبنان، فقد وصلت أمس إلى تقديرات خليجية بأن الحرب العسكرية غير واردة، لكن هناك أشكالا أخرى للحرب مع إيران، منها على سبيل المثال الحصار الاقتصادى، خاصة أن دول الخليج وتحديداً السعودية تعول على أمر تراه مهما، وهو اقتصاد إيران الضعيف، فضلاً عن المشاكل الداخلية التى تعانى منها، والناتجة عن أوضاعها الاقتصادية السيئة فضلاً عن القبضة الأمنية البوليسية القوية التى من المتوقع أن تتسبب، من وجهة نظرهم، فى انفجار داخلى، هذا بالإضافة إلى تعرضها لعقوبات دولية، متوقع تجديدها خلال الأسابيع المقبلة، خاصة من جانب الكونجرس الأمريكى الذى يتحدث أعضاؤه عن اتجاه لتجديد عقوباته على إيران لدعمها للإرهاب وانتهاكها للقرارات الخاصة بالصواريخ الباليستية.
هناك مواجهة من نوع آخر تقوم بها السعودية على سبيل المثال، وهو ما أكده مسؤول سعودى قال إنهم اكتشفوا أن إيران تعول بشكل كبير على وجودها فى الدول الأفريقية من خلال المراكز الثقافية الإيرانية، وتوزيع أموال على الأسر الفقيرة، وأيضاً اختيارها لعدد من الشباب بالدول الأفريقية للذهاب إلى مدينة قم «المركز الدينى الشيعى فى إيران»، ليقيموا بها لفترة ثم يعودوا لبلدانهم مرة أخرى، يكونوا سفراء لإيران إن لم يكونوا جواسيس بكل ما تحمله الكلمة من معانى.
التواجد أو التغلغل الإيرانى فى أفريقيا واجهته السعودية بخطة موازية، فى أفريقيا، وتحديداً الدول التى تغلغلت بها إيران، مثل أوغندا وتنزانيا وغانا والسنغال وجزر القمر وموريشيوس، واستطاعت الرياض، وفقاً لما قاله الدبلوماسى السعودى، خلال عامين من إبعاد إيران من عدد كبير من الدول الأفريقية، بالإضافة إلى عزلها فى منظمة التعاون الإسلامى، فلا يوجد قرار يصدر عن المنظمة إلا ويحمل إدانة لإيران، مثلما حدث فى قمة إسطنبول الأخيرة، كما أن هناك دولا آسيوية بدأت تنتبه لخطورة التحركات الإيرانية، فعلى سبيل المثال قامت ماليزيا بقطع علاقاتها مع إيران، كما قلصت إندونيسيا وبنجلاديش من علاقاتها مع طهران، فيما تشتكى تايلاند من الإيرانيين، وهو ما وضع إيران فى وضعية صعبة.
دول الخليج أيضاً، باستثناء قطر بطبيعة الحال، ومعها سلطنة عمان، حاولوا حصار إيران فى المحافل الدولية، تحديداً فى الأمم المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، والولايات المتحدة التى بدأت تتجه لمحاسبة إيران وليس مسايرتها كما كان يفعل الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، الذى استغل الإيرانيين فترتيه أحسن استغلال، لدرجة أن المراقبين كانوا يسمونها شهر عسل بالنسبة لإيران، وهو ما تغير الآن.
بالتأكيد السعوديون يراهنون حالياً فى المواجهة مع إيران على هزيمتها فى اليمن، لأنها ستكون ضربة قاسية لطهران، آخذاً فى الاعتبار أن السعودية على سبيل المثال تؤكد أنه لم يكن هناك خيار إلا الدخول فى حرب اليمن، لأن المملكة لا تقبل بوجود ميليشيات على حدودها، ويؤكد قيادات المملكة أنهم حاولوا كثيراً للحيلولة دون وصول الأمر إلى ما هو عليه الآن، ففى 2011 أطلقت دول مجلس التعاون المبادرة الخليجية لإخراج اليمن من أزمتها، وبدأت المرحلة الانتقالية ووضع اليمنيين الرؤية الموحدة لدولتهم وتم تشكيل لجنة لإقرار الدستور، وسارت الأمور فى الاتجاه المتفق عليه بين كل اليمنيين، لكن فجأة تحرك الحوثيون واحتلوا صنعاء وهجموا على الرئيس هادى عبد ربه منصور الذى هرب لعدن، وساروا خلفه وهجموا على قصره، فطلب استجابة المملكة التى استجابت مع 10 دول لدعم الشرعية فى اليمن، وهو ما يؤكد أن دول المنطقة لم تكن تريد الحرب فى اليمن، ولم يكن خيارها لكن فرضت عليها.
وما يزيد من هذه الفرضية التطورات الأخيرة التى شهدتها اليمن، بإعلان الرئيس المعزول على عبد الله صالح، قبل مقتله، الانسلاخ من التحالف مع الحوثيين، ودعوته إلى «فتح صفحة جديدة» مع الدول العربية المجاورة لليمن، فى إشارة إلى دول التحالف العربى لدعم الشرعية فى اليمن، مع رفضه التام للوساطة القطرية التى حاولت إنقاذ مليشيات الحوثيين، فكل هذه التطورات تزيد الضغط على إيران التى تتخذ من اليمن قاعدة رئيسية لتوجيه ضربات متتالية للسعودية التى تؤمن منذ البداية أنه لا حل سياسى للوضع فى اليمن، لأن الحوثيين لن يقبلوا بالسياسة، علماً بأن قراراهم فى طهران وليس فى صعدة.
كل هذه الأوضاع ألقت بظلال على لبنان التى يقول اللبنانيون إنها مرآة للأوضاع فى المنطقة، وإذا نظرنا إلى ما حدث فى اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير لنجد العلاقة القوية بين محاولة حصار إيران عربياً وتأثر لبنان، ففى الاجتماع كان هناك ربط بين حزب الله وإيران، ودعوة انتهت إلى بيان يصنف حزب الله بالإرهابى، بالتأكيد تحفظ عليه مندوب لبنان فى الاجتماع، وقوله للوزراء العرب «لا يجوز لأنكم تورطون الحكومة اللبنانية وهو ما سيسبب لنا مشكلة فى لبنان»، لكن تم تمرير القرار حتى وإن كان يصياغة أقل شدة، لكنها فى المجمل تحمل نفس المعنى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة