كان خبرا واحدا يهدد عروبة القدس كفيلاً بأن يجمع شعوب العالم العربى من المحيط إلى الخليج على قلب رجل واحد، مانشيتات الصحف، عناوين البرامج الحوارية، فعاليات ومعارض فى الجامعات، صخب ولقاءات فى الأحزاب، حراك دبلوماسى عربى ساخن للمقاومة.
الآن، تمر كل الأخبار مرورًا عابرًا على ضمائر الشعوب، فيما المقاومة السياسية والدبلوماسية تمضى فى طريقها دفاعًا عن القدس غير مدعومة من محيطها الشعبى، هل تلاحظ معى ذلك؟
انظر جيدًا فى ردود أفعال الشارع العربى الذى ينتظر قرار دونالد ترامب بشأن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل واحتمالات نقل السفارة الأمريكية إلى هذه المدينة العربية.
هل تشعر بأن هناك من يتألم، أو يستدعى شجنًا على حالنا البائس؟ هل سمعت أغنية فيروز «لأجلك يا مدينة الصلاة» فى ساحات الجامعة أو فى إشارة مرور؟ هل تنبه أى من الأحزاب العربية إلى ضرورة استعادة هذا الوعى الضائع بالقضية العربية؟
كأن ضمائرنا فى حالة استسلام كامل، وكأن القضية العربية المركزية سقطت من هذه الضمائر إلى غير رجعة، على المستوى الشعبى من كازابلانكا إلى المنامة، نحن غرقى فى مواجهة آثار الثورات العربية التى أطاحت باستقرار هذا الإقليم، صارت داعش أخطر من إسرائيل، وطهران أكثر تآمرًا من تل أبيب، والفقر يهدد الأمة أكثر من جيش الدولة العبرية، غرقت الأمة فى تحديات الحروب المذهبية بين الشيعة والسنة، وطموحات طهران بالسيطرة على العواصم العربية بقوة السلاح، الآن أيضًا صار الفقر عنوان الحرب، والمؤامرات على المياه العربية نقطة الارتكاز فى صراعات الحاضر والمستقبل، ومعوقات التنمية والإرهاب والجهل والمرض.
كيف نجح أعداؤنا فى تحويل القبلة، وفى اللعب بالضمائر والأدمغة والعقول والوعى، إلى الحد الذى لم تعد فيه القدس قضيتنا المركزية، ولا حبل وحدتنا الذى نعتصم به دفاعًا عن الأرض والعرض والعروبة والإسلام؟
هل تصدق شيئًا الآن عن الجيل الرابع من الحروب؟
كنت أنت تسخر من هذا المصطلح بعدما ظهر للمرة الأولى فى أعقاب ثورة يناير، واعتبرت أن هؤلاء الذين يرددون الكلام حول الجيل الرابع يستهدفون التآمر على ثورة يناير، ويحمون الأنظمة التى أسقطتها الثورات، الآن وعندما تفتش عن مساحة الشجن فى وجدانك حول مصير القدس، أو تراقب نفسك كم مرة حلمت بعودة الأقصى إلى أحضان العروبة والإسلام كما كان يحلم جيلنا نحن من قبل، كم مرة شعرت بالحسرة على استمرار الاحتلال الإسرائيلى للمدينة المقدسة؟
فتش فى وجدانك لتعرف أن الأعداء كادوا أن ينتصروا فى حروب الجيل الرابع، فعودة دمشق مستقرة أهم من عودة الأقصى للسوريين، وصرف المرتبات فى صنعاء أهم من قضية المستوطنات، وشبح الانفصال فى العراق أكثر خطرًا من نقل السفارة الأمريكية للقدس، وفصائل الإرهاب فى درنة هى أخطر على ليبيا من مناورات قيادات الدولة العبرية.
هل خسرنا الحرب؟
جاوب أنت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة