دول الخليج وتحديداً السعودية تدرك تماماً أن حصار إيران يتطلب ملاحقة حزب الله، لكن هذا لن يتطور إلى ضرب الحزب عسكرياً، لكن الحل من وجهة نظرها هو التضييق حتى ولو بمزيد من العقوبات، فالخليج وضع أمامه سؤال، وهو «هل ممكن بمزيد من العقوبات على إيران تقليل وتجفيف منابع تمويل حزب الله؟ وهل ممكن وضع آلية فعالة لتعرية حزب الله أمام الرأى العام اللبنانى لزيادة الضغوط عليه؟».
أعتقد أن عواصم خليجية تدرس حالياً الإجابة عن السؤالين، لأنها تحدد آلية التعامل مع إيران وحليفه اللبنانى حزب الله، آخذةً فى الاعتبار أن الكثير من الأموال التى ينفقها حزب الله تأتيه من دول أفريقية وأمريكا اللاتينية، عبر عائلات شيعية تعمل فى التجارة لصالح الحزب، ومن خلفه إيران، لذلك هى تدرس الطريقة التى تستطيع من خلالها تجفيف هذه المنابع، من خلال التعاون مع الإدارة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية لفرض عقوبات على شخصيات شيعية فى أفريقيا وأمريكيا اللاتينية التى يشتبه فى كونها غطاء اقتصاديا لمشروعات حزب الله وإيران فى المنطقتين، وإذا حدث ذلك فإنها ستمثل ضربة قوية للجانبين، وسيكون لها ردة فعل قوية أيضاً على الداخل اللبنانى، لأن حزب الله سيؤجج الوضع الداخلى، فى محاولة لفك الحصار الخارجى، وهى لعبة يتقنها الحزب جيداً.
الأحاديث الآن تزداد فى اتجاه مطالبة الحزب بنزع سلاحه وتحويله لحزب سياسى يعمل فى الإطار الوطنى اللبنانى، لكن هذا لن يحدث، وسيبقى الحزب بسلاحه، لأنه بدونه لا يساوى شيئا، لذلك سيستمر التعقيد مسيطراً على لبنان، طالما بقى الوضع على ما هو عليه الآن، وربما تتكرر استقالة الحريرى الذى قال الأسبوع الماضى فى مقابلة مع شبكة «سى نيوز» التليفزيونية الفرنسية «لا أريد حزبا سياسيا فى حكومتى يتدخل فى دول عربية ضد دول عربية أخرى»، وتابع «أنا فى انتظار الحياد الذى اتفقنا عليه فى الحكومة.. لا يمكننا أن نقول شيئا ونفعل شيئا آخر».
ما يتمناه الحريرى لا وجود له على الأرض، لأن الحزب يعترف بأدواره الخارجية، بل يعتبرها مصدراً لقوته، سواء فى سوريا أو اليمن والعراق ومن قبل فى فلسطين، لأنه يتعامل بنفس المنطق الإيرانى، وهو زيادة الكروت التى تمنحه وضعية تجعل الآخرين يتسابقون إليه باعتباره جزءا من الحل فى كل الأزمات الإقليمية، لكن هذا الوضع ربما لن يستمر طويلاً خاصة إذا ما استطاع المجتمع الدولى الضغط على لبنان اقتصادياً، بشكل يدفع اللبنانيين إلى الانتفاضة ضد منهج وأسلوب حزب الله، ويتزامن ذلك مع تطورات تحدث الآن فى اليمن وتشير إلى تغير فى الخريطة السياسية، وزيادة الضغط ومحاصرة الحوثيين، وهو ما يمثل ضربة قوية لإيران، التى تواجه وضعا مأزوما أيضاً فى علاقاتها الدولية، وتحديداً التفاوض حول ملفها النووى، فى ظل إعلان الإدارة الأمريكية رفضها لكل المزايا التى حصلت عليها طهران من هذا الاتفاق، وتهديد دونالد ترامب المتكرر بإلغاء هذا الاتفاق الذى يقول إنه ضد المصالح الأمريكية ويخدم فقط مصالح إيران التى استخدمت الاتفاق لزيادة تمددها فى الإقليم، بسبب الوفرة المالية التى تحققت لها نتيجة الرفع الجزئى للعقوبات، وتسارع عدد من الدول الأوروبية لاستقبال رئيسها حسن روحانى، والحديث عن مشروعات اقتصادية مشتركة.
كل الأمور تشير إلى أن الأمور تزداد تعقيداً، ويبقى الحل مرهوناً بمرونة فى مواقف الأطراف المعنية، وهنا يعود الحديث مرة أخرى إلى أهمية أن تراجع كل دول المنطقة أجندتها، وتبدأ فى البحث عن الأسباب التى تستطيع من خلالها تقليل نسب التوتر، وهنا يبرز دعوات البعض لإيران بأن تكف عن سياساتها التوسعية التى تسبب لها مشاكل، وتتسبب أيضاً فى توترات أمنية بالإقليم، آخذاً فى الاعتبار أن دول الإقليم لن تقبل بهذا التمدد الإيرانى الذى يعتمد على الديانة وتحديداً المذهب الشيعى لكى يتغلغل فى المجتمعات العربية، وهو ما يفرض على الجميع أجندة لمواجهة هذا التغلغل، إلا إذا استمعت لصوت المنطق الذى يدعوها إلى الانخراط فى حوار بناء مع دول المنطقة وتحديداً مصر والسعودية والإمارات للوصول إلى نقاط تلاقى تجنب الجميع ويلات الحرب، أو استمرار الصراع الذى يكلف الجميع فاتورة سياسية واقتصادية وبشرية لا يمكن تحملها.
استقرار الوضع فى لبنان والمنطقة بشكل كامل مرهون حالياً بأن تراجع إيران سياساتها ووضعها، وأن تتجنب أى مواجهة، وتبحث عن علاقات قوية مع دول الإقليم، وليس البحث عن منغصات تسبب التوتر، وربما تصل بنا إلى نقطة لا نتمناها جميعاً، وهى الحرب أو المواجهة العسكرية، التى تسببت فى الثمانينات - حينما اندلعت بين إيران والعراق - فى خسارة كبيرة، رغم أنها كانت فقط بين دولتين، لكنها الآن مرشحة للحدوث بين جبهتين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة