لم يخلُ بيت مصرى أو حتى عربى من حزن على رحيل الفنانة العظيمة شادية، حزن نبيل، لأنه حزن لفراق من كان مفارقا فى الأصل، فشادية التى اعتزلت الفن والحياة العامة بشكل كامل منذ 1984 كانت بالفعل غائبة عن الجماهير، وهناك أجيال وصلت للثلاثينات من عمرها اليوم لم تعاصر حتى حوارا على قناة تليفزيونية أو مطبوعا فى صحيفة لشادية، فلماذا يحزنون لفراقها ولغيابها وهى من كانت غائبة عنهم حتى كخبر؟
أعتقد أننى أملك جزءا من الإجابة عن السؤال، وهى لا تخص رحيل الفنانة القيمة شادية وحدها، ولكنها تخص رحيل أى فنان على مر العصور، فالجماهير ترتبط بالفنان ليس فقط إعجابًا أو تقديرًا أو عكس ذلك، ولكن ارتباطها يأتى من ارتباط أحداث الجمهور بالأعمال الفنية التى يقدمها فنان ما، فمثلا قد يستمع شخص ما لأغنية ما ترتبط بحدث خاص فى حياته، أو قد يمثل دورا ما لممثل ما ذكرى فى عقل أحد الجماهير، فيرتبط بصاحب الدور حبا أو كرها، ويظل عالقا فى ذاكرته أبدا لا ينساه، قد يمثل الفنان قيمة لدى الجمهور، لأنه صَاحَبه فى ذكرياته الحزينة أو السعيدة بأغنية أو فيلم أو دور فى مسلسل فيظل معه يقبع فى ذاكرته جزء منها، فيحزن لو مرض أو يسعد لو سمع عنه خبرا مفرحا، أما وإن رحل فهو يشعر أن جزءا منه قد غاب بغياب صاحب الذكرى.
الجمهور يتمثل الفنان فى دور فى حياته، فأحيانا هو الابن أو الأب أو الأم أو الأخت، وكثيرا الحبيبة أو الحبيب، لذا فمهما كبر الفنان وزارته معالم الشيخوخة فسيظل على ذات الصورة فى ذاكرة من ارتبط به من الجمهور.
رحلت شادية فى الثمانينيات من عمرها، وكانت منذ سنوات غائبة، لكنها ظلت وستظل فى عيون أجيال لم تعاصرها الدلوعة أو الصوت الذى غنى أجمل الأغانى للوطن، أو المرأة المجهولة، أو الأم المضحية فى «لا تسألنى من أنا»، أو الحبيبة أو عشرات ومئات الشخصيات التى قدمتها بصدق، وستأتى أجيال أخرى حتى لم تعاصر وجودها، وستحبها وترتبط بها كصورة حية لذكرى أغنية سيسمعونها منها، أو دور سيصدقونه.
خلود الفنان، أى فنان، لا يرتبط بعمر أو عدد كبير من الأعمال، ولكنه مرتبط بجمهور تمثله فى مراحل حياته، فآهٍ لو يدرك الفنانون ذلك الأمر بوعى فيعملون كأفضل ما يكون العمل لتبقى ذكراهم خالدة بلا شائبة، ولكن فقط بالحب والاحترام.
ولكل ما سبق، فلهذا حزن الجمهور على رحيل شادية حزنا نبيلا يليق بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة