أضاعها العرب الذين يتباكون على أطلالها اليوم، بخلافاتهم وتشرذمهم وتناحرهم.. فهل تعلمون- مثلاً- أنه يوجد كيان اسمه «لجنة القدس»، تم تأسيسها عام 1975، برئاسة الملك الحسن الثانى ملك المغرب، وترأسها بعد وفاته ابنه الملك محمد السادس، وأن اللجنة لم تجتمع منذ تأسيسها إلا مرة واحدة، وتم تجميدها بسبب الخلافات؟
لجنة القدس، كما ينص قرار تأسيسها، تهدف إلى حماية القدس من المخططات والمؤامرات الصهيونية وخطط تهويدها، وتم تكليفها بمتابعة القرارات الصادرة بشأن القدس فى الهيئات والمحافل الدولية، واتخاذ الخطوات المناسبة لضمان تنفيذ القرارات التى تواجه المخططات الإسرائيلية، وتقديم تقرير سنوى لمؤتمر وزراء خارجية الدول الإسلامية، لا يعرف أحد شيئاً عن اللجنة، ونماذج أخرى لاقت نفس المصير.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
لو نادينا بعقد قمة عربية طارئة، لبحث تداعيات الخطوة الأمريكية بنقل عاصمة إسرائيل إلى القدس.. هل تكتمل القمة؟ وكيف يحدث ذلك والجسد العربى مُشحن بالجراح والآلام والأوضاع؟ أين صنعاء ودمشق وطرابلس وبقية المدن العربية التى تكتوى بنيران الإرهاب؟ وهل تستطيع الأوطان الجريحة أن تدافع عن القدس التى تستغيث؟ إننا أمام مأساة كبرى لا ينفع معها الصمت ولا الكلام.
ضاعت القدس حين نجح الأشرار فى إيقاع المنطقة فى براثن الجماعات الإرهابية، التى وجهت الرصاص إلى قلوب أبناء وطنهم، ولم تطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، التى استغلت دخان حرب العرب على العرب، لتلتهم القدس قطعة قطعة، فأصبحت لا تقبل التجزئة على أرض الواقع، وتلاشت القدس الشرقية فى بحيرة المستوطنات من كل اتجاه، وجعلت الوصول إليها لا يتم إلا عبر إسرائيل.
غابت القدس عن أجندة القمم العربية، قبل مجىء «الجحيم العربى»، رغم أن الجميع كانوا يعلمون أن إسرائيل تخطط لإعلانها عاصمة موحدة، وصرح قادتها بذلك أكثر من مرة، ولم يكن رد الفعل العربى أكثر من بيانات الشجب والإدانة، وما أكثر ما شجب العرب وأدانوا فى بيانات الهواء الطلق، وقرارات مؤتمرات النضال الصوتى وميكرفونات الصياح والصخب والضجيج.
لم نر دموعاً من أجل القدس، إلا فى أشعار نزار قبانى «يا قدس يا مدينة تفوح أنبياء.. يا أقصر الدروب بين الأرض والسماء.. يا قدس يا مدينة الأحزان.. يا دمعة كبيرة تجول فى الأجفان».. وصراخ مظفر النواب «القدس عروس عروبتكم.. من باع فلسطين سوى الثوار الكتبة.. أقسمت بتاريخ الجوع ويوم السغبة.. لن يبقى عربى واحد إن بقيت حالتنا هذى الحالة».
القدس تنادى.. تصرخ.. تتألم.. تبحث عمن ينقذها.. ولكن يبدو أن الفرصة ضاعت تلو الفرصة.