ماجدة إبراهيم

طفلة من القدس المحتلة

السبت، 09 ديسمبر 2017 08:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تجذب شريطتها الحمراء لتطلق لشعرها العنان فهى لا تشعر بالحرية إلا إذا تحررت من كل قيودها الصغيرة..
تقفز قفزات متتالية قريبة من الأرض وتصرخ بفرحة سنعود غدا إلى الوطن..
تقبل على أخيها الصغير الذى يلهو بلعبته وتحتضنه برقة وحنيه.. وتقول له.. سنعود غدا إلى وطننا.
أخيرا سأرى كل أصحابى وعائلتى.. أعمامى وعماتى.. أخوالى وخالاتى.. جدتى وهى تفترش الخضرة على أريكتها وبجوارها شجرة الزيتون الضخمة تظلل عليها بوريقاتها الخصبة وتلقى ما تلقيه فى حجريها.
دقات جرس الباب ترقص فرحا مثلى تمام.. تجرى بكل براءتها لتفتح الباب أنه أبى يا أمى لقد عاد.. لكنه.. لكنه.
مالك يا أبى مطأطئ الجبين.. باهت الصوت.. تحدث معى.
قل لى مابك؟
جريت على أمى احثها لكى تأتى لتتلقى حزن أبى..
لتنفض عنه الهموم التى بدت لى كجبال الجليد لا نرى سوى قمتها..
يتكئ أبى على ذراع أمى يبدو حزينا أو ربما متعبا.. يدخلا سويا إلى حجرتهما ويغلقا الباب.. لا أسمع سوى همسا ودموعا تصرخ ونهنهات تتشنج.. أسقط من شدة تأثرى بالتأكيد حدث أمر جلل.. ربما يكون الأمر مرتبطا بعودتنا إلى الوطن..
لا أستطيع تصور أن يكون هناك أى تغيير فى خطتنا.. لن أستطيع استيعاب الموقف فقد حلمت بالعودة إلى الوطن شهورا وليالى وأياما متتالية..
لقد اتصلت بكل من يعرفنى وأبلغته عن يوم عودتى.. الجميع فى أنتظارى
يفتح باب حجرة أبى وتخرج أمى محمرة العينين شاحبة الملامح تزوغ عينيها عن ملاحقة عينى لها.. تدخل المطبخ تستكمل أنينها الذى يصل إلى ضلوعى يكسرها ويجعل عزيمتى على التماسك تنهار.. أندفع تجاهها وأشدها من يدها حتى تنظر لى.. تحاول أن تدارى دموعها التى فاضت لتغرق كل وجهها وتذيب ملامحها البشوشة.
أسألها بحزم ماذا حدث يا أمى؟
هل تغيرت خطتنا؟ لماذا تأجل موعد عودتنا للوطن؟
تنظر أمى بذهول كيف وصل عقلى الصغير إلى هذا الاستنتاج؟
أرجوكى يا أمى ردى على..
أمسكت أمى بى وربتت على شعرى المنطلق بعشوائية وبحنان بليغ طبعت قبله ساخنه بسخونه دموعها الوجله.
لا تقلقى يا صغيرتى سنعود إلى بلادنا مهما كلفنا الأمر.
لا أدرى ماذا حدث لى لكن رأسى طاف بى كل الدنيا وعينى لم تعد ترى ملامح الأشياء فسقطت مغشيا على..
وعندما أفقت وجدت كل من فى البيت بجوارى وقطرات من ندى أبيض تكلل عينى أمى وابتسامه وردية تحتل خديها وصوت أبى الحنون يأتينى بعزيمة لا تقهر: يا بنيتى استعيدى حيويتك فسفرنا سيكون غدا إلى الوطن.
فجأة سرت فى أوصالى شرارة وشحنة من الحيوية ضاع معها كل إحساس بالخزى والقهر وانفرجت مشاعرى لتتسع لكل العالم..
فكم يصبح شعور النشوى بالنصر وتحقيق الأمنيات جميلا رائعا.. وما شعرت به من قبل كان قاتلا بغيضا..
جهزت نفسى وأمسكت يدى أمى وقبلت أبى قبلة الامتنان.. وشاركت الجميع فى مداعبة أخى الذى يقبع فى عربته المتحركة بعجلات صغيرة كلنا فى طريقنا إلى المطار.
وقفنا فى طابور الجوازات وإذا برجل ليس بطويل ولا قصير يرتدى زيا شرطيا يأتى ليحدث أبى وينصاع أبى إليه ويخرج من الصف وكلنا فعلنا مثلما فعل أبى أنزوينا فى ركن بعيد منتظرين أن يعود أبى إلينا فنعود إلى صف المسافرين.. ما هى إلا دقائق ووجدت صوت إحدى المضيفات ينطلق فى الميكرفون لقد تم إلغاء رحلة عودتنا إلى الوطن لوجود مظاهرات واشتباكات عارمة لم أفهم ورأيت أمى تبكى بحرقة ويعود أبى يجر أذيال الخيبة وتساءلت لماذا يحدث ذلك فى بلادى..
وجاء رد أمى بسيطا لكنه كان قاسيا عندما فهمته لأننا نسكن فى القدس المحتلة..






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة