أكد الأستاذ الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن الطلاق هو علاج إذا ما استحالت الحياة الزوجية، وينبغى أن يوضع فى هذا الموضع والمكان ولا يتعداه إلى أماكن أخرى لأن الطلاق إنما جاء لحل مشكلات معينة.
وأضاف المفتى، فى حلقة "من ماسبيرو" التى تذاع على التليفزيون المصرى مساء الخميس، أن الكثير من الحالات التى تأتى إلى دار الإفتاء المصرية هى عبارة عن أيمان طلاق يحاول بها الناس علاج مشكلة قد تكون بعيدة كل البعد عن المشكلات الزوجية، وهذا كله بسبب عدم الفهم الحقيقى للغاية من الطلاق فى الإسلام.
وأوصى مفتى الجمهورية، بأن يقوم الزوجان قبل الوصول لمرحلة الطلاق بحل المشكلات التى قد تؤدى بهما إلى الطلاق فيما بينهما داخل نطاق أسرتهما أو يلجئا إلى حكمين إذا لم يستطيعا حلها، فإن استعصت الحلول واستحالت الحياة فيكون الحل الأخير هو الطلاق.
وأوضح فضيلة المفتى بعض أحكام الطلاق التى وضعها الشرع الشريف وأقرها الفقهاء، والتى تعد بمثابة فرصة أخرى لكى يراجع الزوجان موقفهما ويكون لديهما فرصة جديدة لاستمرار الحياة الزوجية.
وأشار إلى أن من بين تلك الأحكام أنه يحرم على الزوج أن يطلق زوجته فى فترة الحيض وأنه يكون بذلك آثمًا، موضحًا أن الحكمة من ذلك أن المرأة تكون فى فترة الحيض فى حالة نفسية سيئة كما أخبر الأطباء، فيجعل مزاج المرأة غير مهىء لأن تتعامل فى الحياة الزوجية العادية فتكون دوافع الطلاق أكثر فى تلك الفترة.
وضرب فضيلة المفتى مثلًا عندما جاء عمر بن الخطاب إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره بأن ابنه عبدالله بن عمر قد طلق زوجته وهى حائض، فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلم، "مره فليراجعها حتى تطهر، فإن شاء طلق وإن شاء أمسك". وذلك لكى يعطى فرصة لنفسه لعله يتم الإصلاح بينهما.
وأوضح مفتى الجمهورية، أن الحكمة من ذلك أيضًا أن الإسلام ربط حدود الطلاق بالدواعى الطبيعية عند الإنسان فهو مجبول ومدفوع لأن يلتقيا وتحصل المباشرة بعد الطهر من الحيض، لذا على الزوج أن ينتظر لعل ذلك يقرب بينهما، وكأن الشرع قد وضع عائقًا طبيعيًا وغريزيًا فى سبيل ألا يكون الطلاق أمرًا سهلًا.
ولفت فضيلته إلى أن من أحكام الطلاق كذلك ألا يمس الرجل زوجته بعد طهرها إذا كان ينوى أن يطلقها ولن يتراجع عن ذلك، حتى لا يحدث للمرأة اضطراب فى مسألة العدة، وتحتار هل تعتد بالحيضات أم بوضع الحمل إذا كانت حاملًا فتظل فى حيرة.
وطالب مفتى الجمهورية الأزواج إذا ما انتوى الطلاق أن يكتفوا بالطلاق طلقة واحدة، حتى يكون لديهم الفرصة لمراجعة زوجاتهم إذا صفى الأمر بينهما، مشيرًا إلى أن القانون المصرى يعتبر الطلاق إذا لفظة الزوج ثلاثة يحتسبه طلقة واحدة حفاظًا على الأسرة.
ومن أحكام الطلاق كما ذكر فضيلة المفتى أن تظل المرأة فى بيتها فترة العدة مع زوجها لأن علاقة الزواج لا تزال قائمة، قال تعالى: (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً)، وكأن القرآن الكريم يوجد مرحلة العدة لعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا يساعد فى التقريب بينهما مرة أخرى، لذا نصح الفقهاء المرأة والرجل أن يراجعا موقفهما فى فترة العدة، فإن وجدا سبيلًا للرجوع تودد كل منها للآخر حتى يتراجعا.
وأضاف فضيلته أن عدة المرأة المطلقة تكون ثلاثة أشهر للمرأة الكبيرة التى يئست من المحيض، أو ثلاث حيضات للمرأة الشابة، وإذا كانت حاملًا تنقضى عدتها حين تضع حملها.
وأشار إلى أن الرجل إذا لم يراجع زوجته خلال فترة العدة، فلديه فرصة أخرى ليراجعها بعقد ومهر جديدين، لأنها مرحلة جديدة أصبحت فيها المرأة أجنبية عنه، ولكن الباب لا يزال مفتوحًا أمام الاثنين خاصة فى حالة وجود أبناء.
وأوصى فضيلة المفتى الزوج بألا يتبع الطلقة بطلقة أخرى فى مدة العدة، لأن العدة تعتبر فترة اختبار، وعلى الزوج أن يجعل الباب مفتوحًا للرجوع لعل الأيام تقرب بينهما.
وقال مفتى الجمهورية: "نريد إرساء ثقافة ما بعد الطلاق والذى يجب أن يكون فى أضيق الحدود، وأن تكون العلاقة راقية وحضارية بين الزوجين المنفصلين خاصة فى وجود أبناء، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)، وحتى لا يكون الأبناء ضحية فى هذا الطلاق، بل لابد من أن تسير تلك الحقوق فيما يحقق مصلحة الأبناء".
وأضاف: اللجوء للقضاء قد يضع حلولًا خاصة فيما يتعلق بأمر حضانة الأطفال، ولكنه يجب أن يكون عند الضرورة، والأولى أن يكون الأمر حضاريًا فيما بينهما ويكون الرجل أشد حرصًا لأن تكون المرأة هى الحاضنة لما جبلها الله على العطف والحنان مع ضرورة عدم غياب دور الأب فلا ينبغى أن يحرم كلاهما من الأبناء بل يتفقا على كل ما يحقق مصلحة أبنائهما.
وأكد مفتى الجمهورية أننا بحاجة إلى دورات كثيرة للمقبلين على الزواج، وللمتزوجين كذلك، ودورات لكيفية إدارة تربية الأبناء فيما بعد الطلاق.
وحول يمين الطلاق أشار فضيلة المفتى أنه يأتى إلى دار الإفتاء شهريًا ما يقرب من 3200 فتوى طلاق أغلبها عبارة عن أيمان وحلف بالطلاق، يقع منها اثنان أو ثلاثة على الأقصى، وذلك لأن علماء دار الإفتاء لديهم من الخبرة ما يستطيعون به معرفة ما إذا كان هذا طلاقًا واقعًا أم يمين طلاق، وذلك عبر خبرتهم المتراكمة التى تلقوها عن مشايخهم ولا توجد فى الكتب.
وأوضح أن علماء دار الإفتاء يقومون بالتحقيق مع الزوج لمعرفة هل كان مدركًا لهذه المسألة والكلمة وما يترتب عليها وهل صدرت عن رضا حقيقى عنده وقصد، فإنه حينها يقع الطلاق.
أما إذا وجدوا أن الزوج لم يكن يدرى ما يقول لشدة الغضب مثلًا ونطق بالطلاق دون أن يدرى أو يقصد، فحينها لا يقع الطلاق باتفاق العلماء، لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا طلاق فى إغلاق" وفسره العلماء بأنه الغضب أو الإكراه.
ولفت فضيلته إلى أن كتب الفقه يوجد فيها "انفراجات فقهية" قد يلجأ إليها العلماء للحفاظ على كيان الأسرة، لأن الزواج هو عقد ثبت بيقين، ولا ينبغى أن يُرفع إلا بيقين، لذا نقوم بالتحقيق فى المسألة.
ووجه مفتى الجمهورية نصيحة للزوجين بأن يحرصوا على بقاء العلاقة الزوجية وأن يقوما بحل المشكلات التى تواجههم بالحكمة، وألا يستخدم الزوج كلمة الطلاق إلا لعلاج مشكلة زوجية يستحيل مع استمرار الحياة فيها، وألا يجعل الزوج كلمة الطلاق فى مواقف عابرة وفى غير موضعها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة