"إيران تلعب بالنار، إنهم لا يقدرون كم كان الرئيس أوباما، طيبًا معهم، ولن أكون هكذا!".. ساعات قليلة بعد تلك الكلمات التى وجهها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى حكام طهران، وخرجت قرارات وزارة الخزانة الأمريكية تعلن فرض عقوبات على إيران تشمل 13 شخصا و12 كيانا.
اشتعال المواجهة والتراشق اللفظى بين طهران وواشنطن أثار مخاوف طهران خاصة التيار الإصلاحى، ودفع مراقبين للتساؤل حول إمكانية صمود أهم انجازات الرئيس المعتدل حسن روحانى ألا وهى "الاتفاق النووى"، وصفقة طائرات بوينج الأمريكية أمام قرارات وعقوبات ترامب.
وتسود قناعة لدى صناع القرار فى طهران، أن الاتفاقية النووية الموقعة فى يوليو 2015 بين إيران والدول الست (محموعة 5+1 الدولية) إنما هى اقرار وإجماع عالمى بسلمية البرنامج النووى أولا، فضلا عن أنه يحظى بإشراف ومتابعة من الاتحاد الأوروبى ويتبناه مجلس الأمن بالإجماع.
ونتيجة لذلك تم اختبار صاروخى بالستى بعد 9 أيام من تولى ترامب، ما يؤكد الفرضيات القائلة بأن لدى قادة طهران اطمئنان بأن الرئيس الأمريكى الجديد لن يتمكن من الخروج على تلك الاتفاقية مع عودة المواجهة بين طهران وواشنطن التى غابت السنوات الأخيرة من عهد إدارة أوباما.
العقوبات.. رد ترامب على إيران
"إيران كانت على وشك الانهيار إلى أن أنقذتها الولايات المتحدة بالاتفاق النووى الذى منحها 150 مليار دولار".. هذه التغريدة التى عبر فيها "ترامب" عن اعتقاده بأن هذا الاتفاق منح طهران قبلة الحياة من جديد، تجسد السيناريو الأكثر توقعا من البيت الأبيض، وتكشف عن نوايا ترامب فى تشديد العقوبات على طهران بموجب قانون "إيسا" الذى يعتبره الأمريكيين لا يدخل ضمن الاتفاقية النووية، ففى حال تصاعد المواجهة، قد تفوق عقوبات ترامب، العقوبات الأمريكية فى عهد أوباما وأسلافه.
مصير صفقة بوينج الأمريكية
وأثيرت تساؤلات عدة أيضا حول مصير صفقة بيع 80 طائرة نقل ركاب للحكومة الإيرانية من شركة بوينج، بقيمة إجمالية قدرها 16.6 مليار دولار، وترى طهران أن عقلية رجل الأعمال التى يمتلكها ترامب بالإضافة إلى فرص العمل الأمريكية التى يعتبرها من أعلى أولوياته، قد تضعه فى حرج أمام قرار إلغاء تلك الصفقة خاصة مع إعلان بوينج بأنها ستوفر 100 ألف وظيفة عند التوصل إلى هذه الصفقة، وقد يراجع قرار إفشالها كثيرا.
انقسامات فى طهران حول طرق التعامل مع ترامب
وفى طهران، انقسمت سيناريوهات التعامل مع ترامب بين وجهات رأى متعددة، لعب فيها الصراع بين التيارين الإصلاحى والمحافظ دورا كبيرا، فالمشهد الإيرانى الخارجى والمواجهة الأمريكية لا يمكن عزلها عما يدور فى الداخل، وانقسم المشهد وتبنى التياران المتنافسان داخل إيران وجهات ظهر مختلفة.
الفريق الأول، ويمثله المعسكر الإصلاحى الذى من المقرر أن يخوض مرشحه الرئيس روحانى انتخابات رئاسية بعد 4 أشهر، لديه مخاوف كبرى من تنفيذ ترامب وعوده بتمزيق الاتفاق النووى، الذى سوف يكون ورقته الرابحة وسوف يستند عليه بشكل كبير فى الدعاية الانتخابية، ويخشى أن يتحول إلى نقطة ضعف روحانى حال تعرض ترامب لتلك الإتفاقية، لذا يميل هذا الفريق للابتعاد عن اجراءات من شأنها اثارة التوتر الولايات المتحدة خاصة الفترة التى تسبق الانتخابات، ومقابلة استفزازات ترامب بمنطق وعقلانية، ويؤكد على تعزيز علاقات بلاده بجيرانه من الدول العربية فى الخليج كى لا تسير فى ركاب ترامب فى عداءه معها، لكن ما لبثت أن تحولت تلك الرؤية إلى نقطة ضعف لدى هذا الفريق لهجوم المتشددين عليه الأيام الأخيرة.
لذا يعتقد هذا التيار أيضا أن اطلاق اختبار صاروخى فى هذا التوقيت لا يخدم مصالحه الحزبية، وتدور فى أروقة هذا المعسكر فرضية تقول "أن النخبة الحاكمة وعلى رأسها الحرس الثورى تحاول العبث بالاتفاقية النووى مع اقتراب موعد الانتخابات، لأن مثل هذه التجارب قد تؤل إلى عقوبات فى الأشهر الأخيرة من الولاية الأولى لروحانى وبالتالى يفقد الرئيس المعتدل ورقته الرابحة قبيل الانتخابات وأصواته أيضا".
ويتبنى هذا الفريق سياسة عدم منح الرئيس الأمريكى الذرائع وعلى صناع القرار التعامل بحساب أمام إجراءات ترامب المتهورة، أو أن تبادر بالاخلال بالاتفاقية أو إشعال المواجهة أو حتى الحرب، وهى الرسالة التى حاول وزير خارجية إيران جواد ظريف ايصالها إلى ترامب خلال الحرب الكلامية التى نشبت بينهما على موقع التواصل الإجتماعى تويتر، وأكد ظريف على أن "إيران لن نبادر بالحرب، لكن يمكننا دومًا الاعتماد على وسائلنا فى الدفاع".
وظهر زعيم التيار الإصلاحى والرئيس الأسبق محمد خاتمى وطرح مبادرة استغلال المواجهة الأمريكية لبلاده، بخلق "مصالحة وطنية" فى الداخل بين كافة التيارات والتوجهات والكوادر لمواجهة التهديدات الخارجية المعارضة للثورة الاسلامية. وألقى خاتمى عبء هذه المصالحة على السلطة، التى قال أن لديها دورا مهما فى اعداد مناخ المصالحة، ودعا خاتمى إلى استغلال الفرصة واعداد الأرضية للمصالحة
المعسكر الإيرانى المتشدد
الفريق الثانى ويمثله المعسكر المتشدد الذى يتبنى سيناريوهات المواجهة، لا يميل إلى المرونة مع الغرب، ويعد نفسه لمواجهة شرسة مع أمريكا السنوات المقبلة على أوجه متعددة السياسية والامنية والاجتماعية والثقافية وحتى العسكرية، ويأتى على رأسه الحرس الثورى الذى أراد أن يبعث رسالة من الاختبار الصاروخى لترامب فحواها أنها لا تهاب لغة التهديد وسيواصل سياسته وفقا لمصالحها، كما أنه لن يتراجع عن تعزيز البرنامجها الصاروخى تحت أى ظرف، فهو يعتبره درعة فى مواجهة التهديدات الخارجية.
ويرى مراقبون أن النخبة المتشددة التى يندرج الحرس الثورى تحتها، خططت عبر اختبار الصاروخ البالستى لدفع الاعتدال المتمثل فى روحانى فى مواجهة مع ترامب، فهو يخلق من المواجهة مع الغرب فرصة لتثبيت سلطته، لا سيما وأن هذا التيار لا يزال فى طور البحث عن مرشحين بين كوادره يمكنهم هزيمة التيار الإصلاحى فى الانتخابات.
وهكذا تربط السلطة الحاكمة فى إيران ما يدور من صراعات داخلية بسياساتها الخارجية، وترسم مستقبلها حسب المتغيرات الخارجية وإن حاولت نفى ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة